ناظِرَةٌ) ، ولم يقل : إلى غيره ناظرة ، والقرآن على ظاهره ، وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلّا لحجة (١).
أما أهل العدل والتنزيه فكانت نظرتهم في توحيد الله نظرة في غاية السموّ والرفعة ، فطبّقوا قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) أبدع تطبيق ، وفصّلوه خير تفصيل ، وحاربوا الأنظار الوضعية التي تثبت أنّ لله تعالى جسما ، وأنّ له وجها ويدين وعينين ، وله جهة فوقية ، وعرش يستوي عليه جالسا ، وأنه يرى بالأبصار ، إلى آخر ما قالته الأشاعرة وأذنابهم من المشبّهة والمجسمة. فأتى أهل العدل وسموا على هذه الأنظار ، وفهموا من روح القرآن : تجريد الله عن المادّية ، فساروا في تفسيرها تفسيرا دقيقا واسعا ، وأوّلوا ما يخالف هذا المبدأ ، وسلسلوا عقائدهم تسلسلا منطقيا.
وقد فصّل الكلام ـ في نفي رؤيته تعالى ـ القاضي عبد الجبار في كتابه «شرح الأصول الخمسة» (٣) وأوفى البحث حقّه. وهكذا الخواجا نصير الدين الطوسي في مختصر العقائد «التجريد» (٤).
وملخّص الكلام في نفي الرؤية : أنّ النظر بالعين عبارة عن إشعاع نوري يحيط بالجسم المرئي ، الأمر الذي يستدعي مقابلة ومواجهة ، وهو يلازم الجسمية. والآية الكريمة تصف موقف المؤمنين في ذلك اليوم ، أنهم على رغم
__________________
(١) راجع : كتاب «الإبانة» لأبي الحسن الأشعري ، ص ١٠ ـ ١٩. و «اللّمع» له أيضا ص ٦١ ـ ٦٨.
(٢) الشورى / ١١.
(٣) باب نفي الرؤية ، ص ٢٣٢ ـ ٢٧٧.
(٤) شرح تجريد العقائد للعلّامة الحسن بن المطهّر الحلّي ، ص ١٦٣ ـ ١٦٥. ط. بمبئي.