وقد ذكر المفسرون جميعا كل ما يدور حول قصّة المائدة ، وإن اختلفوا في ذلك قلّة وكثرة (١). والعجب أن أحدا لم ينبّه على أصل هذه المرويات ، والمنبع الذي نبعت منه ، حتى ابن كثير والآلوسي ـ وإن كان ابن كثير قد أشار من طرف خفيّ إلى عدم صحة معظم ما روي ـ ولعلهم اعتبروا ذلك مما يباح روايته ، ويحتمل الصدق والكذب ، فذكروه من غير إنكار له ؛ وكان عليهم أن ينزّهوا التفسير عن هذا وأمثاله.
وقد شكك في القصة الطويلة التي اختصرناها أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي ، فقال : قلت : في هذا الحديث مقال ، ولا يصح من قبل إسناده (٢).
ثم عرض بعد لما روي مرفوعا ، وموقوفا ، وذكر ما قاله الإمام أبو عيسى الترمذي : من أن الموقوف أصحّ ، وأن المرفوع لا أصل له (٣).
قال أبو شهبة : ولأجل أن نكون على بيّنة من أن تفسير الآيات ، والانتفاع بها ، والاهتداء بهديها ليس متوقّفا على ما رووا من أخبار ، وقصص ، نفسر لك الآيات
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ، ج ٧ ، ص ٧٨ وتفسير الدر المنثور ، ج ٢ ، ص ٣٤٦ وتفسير الزمخشري ، ج ١ ، ص ٦٩٣ و ٦٩٤ والتفسير الكبير ، ج ١٢ ، ص ١٢٨ ـ ١٣٤ وتفسير أبي السعود عند تفسير الآيات ، ج ٣ ، ص ٩٦ ـ ٩٧ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ١١٦ ـ ١١٩ وتفسير البغوي ، ج ٢ ، ص ٧٨ ـ ٨٠ والآلوسي ، ج ٧ ، ص ٦٢ ـ ٦٥ والقرطبي ، ج ٦ ، ص ٣٦٩ ـ ٣٧٢ إلا أنه قال : في هذا الحديث مقال ، ولا يصح من قبل إسناده.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ص ٣٧٢ ، ط الأولى.
(٣) هذه العبارة تطلق عند بعض المحدثين على ما هو موضوع وليس من شك في أن رفع هذا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إن كان عمدا فهو كذب واختلاق عليه ، وإن كان غلطا وسهوا فهو ملحق بالوضع ، كما نبه إليه أئمة علوم الحديث كابن الصلاح وغيره.