وصاحب الفقه تراه قد عنى بتقريره الأدلّة للفروع الفقهيّة ، والردّ على من يخالف مذهبه ، وذلك كالجصاص والقرطبي وأمثالهما كثير.
وصاحب التاريخ ليس له شغل إلّا القصص ، وذكر أخبار السلف ، ما صحّ منها وما لم يصحّ ، وذلك كالثعلبي والخازن وغيرهما.
وأصحاب المذاهب الكلامية إنما يحاولون تأويل الظواهر إلى ما يتّفق ومذاهبهم في الكلام ، ويقصرون الكلام في تفاسيرهم على هذا الجانب ؛ حيث يتوسعون فيه ، وذلك كالرماني والجبائي ، والقاضي عبد الجبّار ، والزمخشري والفيض الكاشاني.
وأرباب التصوّف والعرفان الصوفيّ إنما يتّجهون بكل اتّجاهاتهم إلى ناحية تزكية الروح وتطهير النفس ، والترفع بها إلى ذروة الأخلاق الحميدة ، كما يحاولون في استخراج المعاني الإشارية ـ حسبما يزعمون ـ من الآيات القرآنية بما يتّفق مع مشاربهم ، ويتناسب مع رياضاتهم ومواجيدهم في عرفان الذات. ومن هؤلاء ابن عربي ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والقشيري في «لطائف الإشارات» ، والفيض الكاشاني في أكثر مواضع تفسيره.
وهكذا فسّر كل صاحب فنّ أو مذهب بما يتناسب مع فنّه أو يشهد لمذهبه. وقد استمرّت هذه النزعة العلمية والعقائدية ، وراجت في فترة غير قصيرة رواجا عظيما ، كما راجت في عصر متأخّر تفسيرات يحاول أهلها أن يحملوا آيات القرآن كل العلوم ما ظهر منها وما لم يظهر ، كأنّ هذا فيما يبدو وجه وجوه إعجاز القرآن وصلاحيته ، لأن يتمشى مع الزمن ، فيما زعموا.
أما في عصرنا الحاضر فقد راج اللّون الأدبي الاجتماعي على التفسير ، ووجدت بعض محاولات علميّة ، في كثير منها تكلّف باهت وغلوّ ظاهر وسنتكلّم عن مختلف هذه الألوان ، بما وسع لنا المقال إن شاء الله.