ثم هدّد الله المشركين وتوعّدهم بقوله : (فَسَتُبْصِرُ ..) أي ستعلم أيها النّبي ، وسيعلم يوم القيامة المشركون الذين كذّبوك في الدنيا ، من المفتون المجنون الضّال ، أي في أي فريق منّا أو منكم النوع المفتون؟ ثم أكّد الله تعالى وعيده ووعده بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ ..) أي إن الله يعلم من هو في الحقيقة الضّال ، أنت أم من اتّهمك بالضلال ، ومن هو المهتدي من الفريقين ، منكم ومنّا؟! والمعنى : بل هم الضّالون ، لمعارضتهم ما فيه نفعهم العاجل والآجل.
ثم أوضح الله تعالى ما عليه الكفار من الأخلاق الذميمة ، مما يقتضي التشدّد معهم ، فداوم أيها النّبي على مخالفة الكفار المكذّبين لرسالتك ، وتشدد في ذلك.
لقد تمنّوا لو تلين لهم ، فيلينون لك ، بأن تركن إلى آلهتهم ، ولا تهاجمها ، فيقرّون بعبادة إلهك. ثم خصص الله تعالى الوليد بن المغيرة أو غيره بالتحذير من طاعته ، لاتّصافه بالصفات المذمومة ، والمشهور أنه الوليد ، وقيل : إنه الأخنس بن شريق أو أبو جهل أو الأسود بن عبد يغوث. وظاهر اللفظة : عموم من بهذه الصفة ، والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزمان ، لا سيما لولاة الأمور. وهذه الصفات :
ـ إياك أيها النبي إطاعة كل شخص كثير الحلف بالباطل ، حقير الرأي والفكر.
وهو أيضا عيّاب طعّان ، يذكر الناس بالشرّ في وجوههم ، ويمشي بالنميمة والسّعاية بالفساد بين الناس. روى الجماعة إلا ابن ماجه عن حذيفة : «لا يدخل الجنّة قتّات» أي نمام.
ـ وهو منّاع للخير ، أي بخيل ، يمنع الخير عن الناس من الإيمان والعمل الصالح.
ظالم متجاوز الحق وحدود الله من أمر ونهي ، كثير الآثام والذنوب. كان للوليد بن المغيرة عشرة بنين ، وكان يقول لهم ولأمثالهم : لئن تبع دين محمد منكم أحد ، لا أنفعه بشيء أبدا ، فمنعهم الإسلام وهو الخير الذي منعهم إياه.