وكلما جاء الرسول لأمة ، بتكليفهم بالشرائع والأحكام كذّبه جمهورهم وأكثرهم ، سالكين في تكذيب أنبيائهم مسلك من تقدمهم ، ممن أهلكهم الله بالغرق أو الريح الصرصر العاتية ، أو الصيحة ، أي الصوت الشديد المهلك لجبريل عليهالسلام ، كما جاء في آية أخرى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠)) [يس : ٣٦ / ٣٠]. فكان الجزاء المرتقب أن الله سبحانه أتبع بعض الأقوام بعضهم الآخر بالهلاك والتدمير ، يأتي بعضه إثر بعض ، حين كذبوا الرسل ، كقوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)) [الإسراء : ١٧ / ١٧]. وذلك الإنذار باق دائم ليوم القيامة.
وتصبح نتيجة الهلاك : أن تلك الأقوام يجعلهم الله أحاديث وأخبارا للناس ، يتحدثون عن أحوالهم ، تلهيا وتعجبا ، كما قال الله سبحانه : (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) [سبأ : ٣٤ / ١٩].
وخاتمة الإهلاك ما قاله الحق سبحانه : (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) أي هلاكا وتدميرا وبعدا عن رحمة الله ، لقوم لا يصدقون به ولا برسوله ، وهذا كلام وارد على سبيل الدعاء ، والذم والتوبيخ والوعيد الشديد لكل كافر أو جاحد وجود الله ، وهو ترسيخ لمبدأ ثابت : وهو أن تلك الأقوام العاتية كما أهلكوا عاجلا ، فإن الهلاك لأمثالهم يأتي آجلا.
موسى وهارون وعيسى عليهمالسلام
هذه أنباء مهمة عن ثلّة أو كوكبة أخرى من كبار الأنبياء والرسل : وهم موسى وهارون وعيسى عليهمالسلام. أما موسى وهارون : فكانت مهمتهما خطيرة ، ومخيفة ، في بلاط فرعون المتأله الجبار ، وقومه المستكبرين الفجار ، وذلك من أجل