إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة : ٢ / ٥٤].
ومثل ذلك الجزاء الذي نزل بالظالمين من بني إسرائيل في الدنيا ، نجزي القوم المفترين على الله في كل زمان ، والمعنى : أن كل مفتر في دين الله جزاؤه غضب الله والذلة في الدنيا ، ويشمل ذلك كل من افترى بدعة تصادم أصول الدين ، وتخالف هدي الله وإرشاده ، قرأ أبو قلابة الجرمي هذه الآية : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) فقال : هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.
ويمتاز أسلوب القرآن في الجمع بين الأشياء المتضادة في وقت واحد ، قارنا بين الترغيب والترهيب في مقام واحد ، فناسب هنا أنه تعالى بعد أن ذكر جزاء الظالمين ، فتح باب الأمل والتوبة والإصلاح أمام التائبين ، فنبه الله تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبتهم من أي ذنب كان ، حتى ولو كان الذنب كفرا أو شركا أو نفاقا أو شقاقا ونزاعا ، فقال سبحانه : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إن الذين ارتكبوا الأعمال السيئة والمعاصي المنكرة شرعا ، وعلى رأسها الكفر والشرك ، ثم تابوا ، أي رجعوا من بعدها إلى الله ، بأن آمن الكافر ، وأقلع العاصي عن عصيانه ، واستقام المؤمن على منهج ربه ، وآمنوا إيمانا خالصا من الشوائب ، وقرنوا الإيمان بالعمل الصالح ، إن ربك أيها النبي من بعد تلك الفعلة القبيحة لغفور لهم ، ستار لذنوبهم ، رحيم بهم ، يجزي بالحسنة عشر أمثالها ، ويكافئ على القليل بالجليل الكثير. وهذا دليل واضح على أن جميع السيئات قابلة للغفران بالتوبة النصوح.
ثم تحدث القرآن العظيم عن حال موسى وهدأته من غضبه ، فذكر أنه لما سكن غضب موسى على قومه ، وهدأت نفسه بتوبة أكثر قومه ، أخذ الألواح التي كتبت فيها