ومعنى الآية : أن الذي يستحق أن تأله قلوبكم إليه في المنافع والمضار وفي جميع حوائجكم وفي التعظيم له إله واحد لا يستحق الإلهية أحد غيره. فلما نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا : إن محمدا يقول : إن إلهكم إله واحد ، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ؛) أي في تعاقب الليل والنهار ؛ وفي الذهاب والمجيء.
والاختلاف مأخوذ من خلف يخلف بمعنى أن كل واحد منها يخلف صاحبه وإذا ذهب أحدهما جاء الآخر خلافه ؛ أي بعده. نظيره قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً)(١). وقال عطاء : (أراد اختلاف اللّيل والنّهار في اللّون والطّول والقصر والنّور والظّلمة والزّيادة والنّقصان). والليل : جمع ليلة مثل نخلة ونخل ؛ والليالي جمع الجمع. والنهار واحد وجمعه نهر. وقدّم الليل على النهار ؛ لأنه هو الأصل والأقدم. قال الله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(٢).
قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) يعني السّفن ، واحده وجمعه سواء ، قال الله تعالى في واحده : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(٣) وقال في جمعه : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ)(٤). ويذكّر ويؤنث قال الله تعالى في التذكير : (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) وقال في التأنيث : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ). قوله تعالى : (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) يعني ركوبها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وأنواع المطالب.
قوله تعالى : (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) ؛ يعني المطر ، (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ؛ أي بعد يبسها وجذوبتها ، (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) ؛ أي نشر وفرق من كل دابة من أجناس مختلفة ، منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ، ومنهم من يمشي على أربع ، (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) ؛ أي تقليبها دبورا وشمالا وجنوبا وصبا. وقيل : تصريفها مرة بالرحمة ومرة بالعذاب.
__________________
(١) الفرقان / ٦٢.
(٢) يس / ٣٧.
(٣) يس / ٤١.
(٤) يونس / ٢٢.