لوائح التعصب الديني تساهلاً في مذهبه الأدبي كيف يجرأ مجترئ عليه فيحمله على أنه في تأليفه لنهج البلاغة كان مدفوعاً بدوافع العصبية.
إذن فما الذي دفعه إلى تجشم التأليف؟ نعم! كان الرضي في بداية أمره مولعاً بأساليب البلاغة شغفاً في صنعتي الإنشاء والكتابة ينتقی من جوامع الكلم أبلغها ، ويختار من أحاسن الإنشاء أبدعها ، ليُعِيْنَهُ حفظ ما جمع على كماله في صناعة الإنشاء وبراعته في فَنَّي الخطابة والكتابة ، شأن المشتغلين بالأدب في كل عصر ومصر.
هذا ولا غيره حمل الشريف الرضي على تدوين الخطب والكتب والكلم المأثورة عن أمير البلغاء وإمام الفصحاء سيدنا علي عليه السلام ، ولو كان يجمع لغرض فقهي أو غاية مذهبية لأورد كثيراً من الخطب بأسانيدها المستفيضة. وليس الرضي مخطئاً في سلوك هذا المذهب في الأدب لأننا شاهدنا جماهير العرب والعجم الشرقيين (١) والمستشرقين ممن يتطلبون بلاغة اللسان وبراعة القلم يستظهرون نهج البلاغة لما فيه من فصاحة بانسجام وبلاغة خالية من كل تعقيد أو تكلف وعروبة صميمة تعالی عهدها عن تصنعات عهد المولدين.
وليس الرضي بدّعاً من رُسُلِ الترسل ولا بأول سالك نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام والاستضاءة بنبراسه ، فقد سبقته قوافل من رواد العبقرية الإنشائية مسترشدين بكلم علي عليهالسلام وخطبه وكتبه فقد قال
__________________
(١) حكي عبد المسيح في شرح قصيدته : ص ٥٤ أن شيخه ناصيف اليازجي قال له : ما اتقنت الكتابة إلا بدرس القرآن العظيم ونهج البلاغة القويم فهما كنز العربية الذي لا ينفد وذخيرتها للمتأدب. وهيهات أن يظفر أديب بحاجته من هذه اللغة الشريفة إن لم يحي لياليه سعراً في مطالعتهما والتبحر في عالي أساليبهما.