الوجه الأول : أن هؤلاء العلماء الأعلام قد اخذوا التفسير عن الصحابة أمثال أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ، وهؤلاء بدورهم قد أخذوه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، ونحن نعلم أن في طليعة الصحابة ومقدمهم في التفسير هو الإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام) ، فقد كان موئلا للصحابة ومقصدا للناس في السؤال والاستفسار عن المعاني القرآنية المشكلة ، فلا مانع أن يكون ذلك التوافق من قبيل أن الجميع كان مصدرهم بعد القرى ، نفسه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وبعده الإمام علي (عليهالسلام) ، فإذا كان الأمر كذلك فان آراء وأقوال الإمام الباقر (عليهالسلام) مأخوذة عن أبيه عن جده عن الإمام علي (عليهالسلام) ، فالمصدر واحد بالنسبة للجميع.
الوجه الثاني : قد يكون هذا التوافق بين الآراء من باب التوارد ، وهذا ليس مستبعدا بل أن واقع الحال ينطق به فكثيرا ما نجد أقوالا لأحد المفسرين ونجدها بعينها عند مفسر آخر معاصر له ولم يلتق به.
أما إذا تحققت اللقيا ، مثلما حصل بين الإمام الباقر (عليهالسلام) وقتادة وبينه وبين الحسن البصري ، وبينه وبين طاوس اليماني ، وعثرنا لهؤلاء الأعلام على آراء وأقوال توافق آراءه وأقواله نستطيع أن نقول : أنهم اخذوا عن الإمام وتأثروا به وإن لم يصرحوا باسمه.
ومهما يكن من أمر ، فإننا نستطيع أن نقول : أن عملية التأثير والتأثر وما ينتج عنهما من اثر هي عملية تشابك وتمازج في الأفكار والطروحات ، فمن الصعب أن نحصل على معرفة دقيقة وتعيين علمي موضوعي في من هو المؤثر ومن هو المتأثر لصعوبة الفصل بينهما وخاصة إذا كانا يعيشان في عصر واحد لا يفصل بينهما زمن بعيد.
فالرأي عندي أن الإمام الباقر (عليهالسلام) قد أثر في جملة من مفسري التابعين وظهر ذلك في أقوالهم وآرائهم وكذلك بالنسبة للإمام الباقر (عليهالسلام) فقد تأثر كل واحد منهما بالآخر ، لان كلا الطرفين وليد بيئة مشتركة وثقافة متمازجة ومنهل واحد ـ القرآن الكريم والسنة الشريفة ـ