وفي ديننا ، ودنيانا ـ فقرآننا قرآن الدين ، والدنيا معا ، ودستور المادة ، والروح معا ، وقانون العبادة ، والسياسة معا. فما صح ، ولا يصح القول : بفصل الدين عن الدنيا ، أو فصل القرآن عن الحياة. لا يصح بل يجب ألا يصح بالنسبة لقرآننا أو ديننا.
رابعا : إن القرآن الكريم محفوظ من التحريف ، والضياع. فقد صانته العناية الإلهية من كل تحريف ، أو تغيير ، أو نقصان ، أو ضياع ؛ وهذا كله على عكس الكتب السماوية الأخرى. قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) سورة الحجر آية ٩. قال المفسرون : تكفل الله بحفظ هذا القرآن ؛ فلم يقدر أحد على الزيادة ، والنقصان ، والتبديل والتغيير فيه كما يجرى في غيره من الكتب ؛ فإن حفظها موكول إلى أهلها لقوله تعالى : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ). وانظر الفرق بين هذه الآية : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) حيث ضمن حفظه ، وبين الآية السابقة ، حيث وكل حفظه إليهم ، فبدلوا ، وغيّروا. ولنا التساؤل هنا : كيف يعقل أن يقارن مثل هذا الكتاب الذي أولته العناية الإلهية بالحفظ من كل عبث أو لهو ، ومن كل نقصان أو زيادة ، ومن كل تحريف أو ضياع؟! أن يقارن بكتب أخرى ـ ولو سماوية ـ لم تنل شرف هذه النعمة؟! ومن ثم يجب أن يبقى ما يستند إليها من مفاهيم اللغو ، والباطل كالفصل بينها ، وبين الحياة ، أو بين الدين ، والدنيا ، بعيدا كل البعد عن قرآننا الكريم ، وبعظمة شواهده في السمو والكمال في المعالجة لشئون الأفراد والدول ، الدينية منها ، والدنيوية ، وإلّا انتقصت شواهد الحكمة بحفظه الأبدي ، وإلى قيام الساعة. وهكذا فإن مفاهيم فصل القرآن عن الحياة ، ووجوب الدنيوية للمبادئ العلمانية لا تقاس مطلقا على قرآننا كتاب الدين ، والدنيا والحياة ، وإن صح قياسها ، فليكن لغيره ، أو بالنسبة لغيرة مما لم تحفظه العناية الإلهية من التحريف كالتوراة ، والإنجيل. وحسبنا شهادة الإله ، بل وقرآنه على ذلك التحريف. قال تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) سورة النساء آية ٤٦. ومن هنا اقتضت معالم الكمال للقرآن في المعالجة للدين ، والدنيا معا أن يكشف ، أو أن يأتي