تثبت صحته المطلقة في ميدان المقارنة؟!! وهو عدم القدرة على الإتيان بمثل الكلام النبوي ، أو إعجازه النسبي.
الثاني : إنّ عدم قدسية الكلام النبوي لا يجوز أن يحتج بها ، ولا تصلح أن تكون دليلا على أن القرآن غير قدسي. فالثابت ، وبالدليل القاطع أنّ إعجاز القرآن المطلق ليس كإعجاز الكلام النبوي النسبي. فلو كان القرآن في أسلوبه ، وخصائصه البيانية ، والبلاغية من عمل صاحبه ، أي من تأليف صاحب الكلام النبوي لتماثلا من حيث الإعجاز ، وكان هذا الإعجاز مطلقا لكليهما. وهذا ما لم يحدث ، ولم يثبت. فالقرآن يختلف تماما في أسلوبه وبيانه ونسقه عن الحديث النبوي. والرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» كثيرا ما كان يشير في أحاديثه إلى مثل هذه الفروق بين حديثه ، وبين القرآن ، ويدعو أصحابه أن يهتموا بالقرآن حفظا ، وتلاوة ، وكتابة ، وكما ورد في بعض الأحاديث النبوية : «لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه». وغني عن البيان القول : إن الفارق بين أسلوبي القرآن ، والحديث النبوي من الثبوت ، والوضوح وإلى درجة أنّه لا يستطيع أن يماري بها أي ممار ، أو أي مجادل. وكما يقول شيخنا محمد دراز عبد الله : «لو كان الأسلوب القرآني صورة لتلك الفطرة المحمدية ، لوجب أن تنطبع هذه الصورة على سائر الكلام المحمدي ؛ لأنّ الفطرة الواحدة لا تكون فطرتين ، والنفس الواحد لا يكون نفسين ، ونحن نرى الأسلوب القرآني فنراه ضربا وحده ؛ ونرى الأسلوب النبوي ، فنراه ضربا وحده لا يجري مع القرآن في ميدان إلّا كما تجري محلقات الطير في جو السماء لا تستطيع إليها صعودا. ثمّ نرى أساليب النّاس ، فنراها على اختلافها ضربا واحدا لا تعلو عن سطح الأرض. فمنها ما يحبو حبوا ، ومنها ما يشتد عدوا» ويتابع قوله : «أمّا الأسلوب القرآني ، فإنّه يحمل طابعا لا يلتبس معه بغيره ، ولا يجعل طامعا يطمع أن يحوم حول حماه ، بل يدع الأعناق تشرئب إليه ثمّ يردها ناكسة الأذقان على الصدور» (١).
__________________
(١) د. محمد عبد الله دراز ـ النبأ العظيم. ص ٩٩.