حكما بحكم آخر فإن الحكم الناسخ يأتي بحكمة غير الحكمة التي أتى بها الحكم الأول المنسوخ ؛ وعلى اعتبار أن هناك مصلحة جديدة للعباد اقتضتها عملية النسخ ، وجاء بها الحكم الناسخ. فمصالح العباد تتجدد بتجدد الأزمان ، وتختلف باختلاف الأشخاص ، والأحوال. ولذا فإن النسخ يعني أن هناك مصلحة جديدة ، فيأتي الله بحكم جديد يتضمنها ، وينسخ به الحكم السابق الذي يتضمن المصلحة السابقة ؛ والله تعالى أحاط بكل شيء علما. فلا يستلزم النسخ إذن الجهل ، أو العبث على أو من الله تعالى.
الشبهة الثانية :
إن وقوع النسخ يستلزم تحصيل الحاصل ، أي جهالة الله تعالى ، وهذا باطل. ودليل ذلك : إمّا أنّه يعلم الله أنّ الحكم المنسوخ مؤبدا أو يعلمه مؤقتا. فإذا علم الله تعالى الحكم المنسوخ مؤبدا ثم نسخه ومنع من استمراره ، انقلب علمه جهلا ، وهذا محال على الله تعالى. إذن النسخ لا يقع. وإذا علم الله تعالى الحكم المنسوخ مؤقتا بوقت معين ثم نسخه عند ذلك الوقت ، وإذا ما علم أن للمؤقت ينتهي بمجرد انتهاء وقته ، فإنهاؤه بالنسخ تحصيل للحاصل ، وهذا باطل. إذن النسخ لا يقع.
تفنيد الشبهة الثانية :
إنّ الله تعالى يعلم تمام العلم أن الحكم المنسوخ مؤقت لا مؤبد. ولكنه علم بجانب ذلك أن توقيته إنما هو بورود الناسخ لا بشيء آخر : كالتقيد بغاية في دليل الحكم الأول. ولذا فإن علم الله تعالى بانتهاء الحكم المنسوخ بالناسخ لا يمنع النسخ بل يوجبه ؛ وورود الناسخ محقق لما في علمه لا مخالف له.
الشبهة الثالثة :
إن النسخ يستلزم التناقض ، وتحصيل الحاصل. ودليل ذلك : إما أن يكون الحكم المنسوخ محددا بغاية معينة ؛ فإنه ينتهي بمجرد تحقق