أرادوا أهل الصّلاح (١).
أقول ولعلّ اختيار عيسى عليهالسلام اشارة إلى ما اختاره من الحواريّين الاثني عشر حيث ضلّ كثير منهم واضلّوا قومه حتّى أنّ واحدا منهم وهو يهودا الاسكر يوطى دلّ الكفّار على أخذه وصلبه لجعل يسير وعدوه به على ما وقع التلويح عليه في أخبارنا والتّصريح به في انجيلهم ، ويدلّ على ذلك ايضا من طرق العامّة والخاصة اخبار كثيرة نورد شطرا منها في تفسير قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٢).
ثمّ انّ المدار في التكاليف على الامتحان والابتلاء بما لا يعرف حقيقته ويستحقر ظاهره ، ولما كان إبليس في الملائكة ولم يكن منهم وكانت الملائكة تظنّ أنّه منهم بل من خيارهم وأراد الله تعالى أن يظهر نفاق المنافق واخلاص المخلص (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (٣) فأمرهم بالسجود لآدم فأظهرت الملائكة الانقياد والطّاعة واظهر إبليس الاستكبار والمعصية ، ولم تزل سنّة الله جارية في بني آدم بمثل هذا الامتحان في الايمان ببعث الأنبياء ونصب الأوصياء ، ففيهما ضلّ من ضلّ وهلك من هلك ، وأمّا الإقرار به سبحانه فلعلك ترى الأمم كلّها متّفقة على ذلك ، فالخلافة الّتي هي الولاية العامّة من قبله سبحانه لا بدّ أن تكون جارية مستمرّة في بني آدم بتعيينه سبحانه إلى انقراض العالم ، إقامة للنظم الأتمّ وهداية للعباد إلى ما هو احسن وأقوم.
__________________
(١) الاحتجاج : ص ٢٥٩ و ٢٦٠ وعنه البحار ج ٢٣ ص ٦٨ ـ ٦٩.
(٢) القصص : ٦٨.
(٣) الأنفال : ٤٢.