من الجنّة وتجددهم ، وذلك لكونهم من أفراد نوعه ولأنّهم هم المحتاجون في معاشهم وعبادتهم إلى تبليغه ، وامّا اشتراك حواء معه في الخطاب بقوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) (١) حيث يدلّ على تلقّيها الوحي لا بواسطته فلا يقدح في رسالته إليها لأنّ ذلك من قبيل اشتراك النّبي مع المؤمنين في الخطابات العامة كقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).
وفيه بعد الغضّ عمّا في الجواب من المناقشة انّه يبقى اصل القول دعوى بلا دليل ، والنّبوي المتقدّم مع ضعفه معارض بأقوى منه سندا وعددا ودلالة على ما يأتي ، واطلاق ما دلّ على نبوّته عليهالسلام لا ينهض حجّه على إثباتها يومئذ للانصراف.
وثالثها : القطع بأنّه عليهالسلام لم يكن في ذلك الوقت نبيّا لقوله : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) (٢) الدّال على أنّه تعالى إنّما اجتباه بعد الزّلة فقبل الزّلة لم يكن مجتبى فلم يكن رسولا لأنّ الاجتباء والرّسالة متلازمان ، فإنّ الاجتباء هو التّخصيص بأنواع التشريعات وكلّ من جعله الله رسولا فقد خصّه بذلك لقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٣) ولأنّه لو كان نبيّا في ذلك الزمان لكانت قد صدرت المعصية بعد النبوة ، وذلك غير جايز فوجب أن لا يكون نبيّا في ذلك الزمان ، والملازمة بيّنة بعد القول بكون تلك الزّلة من الكبائر ، ولأنّه لو كان رسولا لكان إمّا مبعوثا إلى حوّاء وهو باطل ، لأنّها عرفت التكليف لا بواسطته أو إلى غيرها من الجنّ والملائكة ، ومن البيّن أنّه ما كان في السّماء أحد من الجنّ ، وأمّا الملائكة فهم أفضل من البشر ولا
__________________
(١) البقرة : ٣٥.
(٢) طه : ١٢٢.
(٣) الانعام : ١٢٤.