لضمير البدل أحيانا.
وعلى كلّ حال ففائدة البدل مطلقا وإن كان تأكيدا لحكم بتكرير ذكر المنسوب اليه ، وتكرير النسبة تقديرا أو اعتبارا إلّا أنّه يفيد في المقام مضافا إليه الإشعار بأنّ استقامة الصراط إنّما هو بكونه محصورا بين المنعم والمنعم عليهم ، وإن كان المخلوق إنّما ينتهي إلى مثله ، لأنّ الطلب إنّما يلجئه إلى شكله ، وانّ الصراط المستقيم نعمة منه سبحانه لا من غيره ، وأنّ في سلوكه اشتياقا لنفوس المشتاقين وابتهاجا لأرواح السالكين بسبب مرافقة تلك الأرواح القدسيّة والأشباح الإنسيّة (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (١).
بل قد يقال : إنّه بدل البعض من الكل طلبا لا قرب السبل ، فإنّ المستقيم وإن أفاد تخصيص الصراط بإخراج الطرق المعوجة الّتي لا يزيد سالكها إلّا بعدا من الله إلّا أنّه يشمل بعد ذلك طريق المقرّبين وأصحاب اليمين ، بل يشمل الفرق الثالث الذين أورثهم الله كتابه (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) (٢).
وطرق الجميع وإن كانت مشتركة في الانتهاء إلى الله لاشتراكها في المنتهى ، إلّا أنّها مختلفة في المبدأ قربا وبعدا ، بل في نفس المسلك وكيفيّة السلوك أيضا فإنّ بعضهم يتوجّهون إلى الله بأبدان الأعمال ، وآخرون بأرواحها الّتي هي نفس التوجّه والإقبال ، ولذا قيل : إنّ الآية متضمّنة لجملة من السؤال والجواب ، فكأنّ لسان الربوبية لمّا قال العبد : اهدنا الصراط ، سأله أيّ الصراط فإنّ الطرق كثيرة فيجيبه لسان العبوديّة باستدعاء الصراط المستقيم ثمّ خاطبه ثانيا بأنّ الطرق المستقيمة أيضا كثيرة مختلفة لا في نفسها فإنّ المستقيم الواصل بين النهايتين لا يزيد على
__________________
(١) النساء : ٦٩.
(٢) فاطر : ٣٢.