هدى الناس بهدايته وأرشدهم الى ولايته في جميع العوالم والمواقف والمراتب ، فدلّ على ذاته بذاته ، ولم يرشدهم إلّا على رضوان الله وكرامته ، إلّا أنّ من قبل ذلك فقد اهتدى بصفة القبول والاجابة ، ومن خالفه ضلّ وخاب بإرشاده لصفة الردّ والمخالفة.
فالهداية قد ظهرت في هذا العالم بصفة التكليف الذي هو نور إلهى سار في كينونات جميع الخلايق سريان الروح في الجسد ، وبه يصل المسافرون والسالكون الى منازلهم الحقيقيّة وأوطانهم الأصليّة ، الّتي حبّها من الإيمان ، وبغضها من الكفر ، بتيسير الأعمال والأقوال ، وتسهيل الإرادات والأفعال ، والوصول الى المسبّبات واللوازم.
ومنها : التوفيق للوصول إلى سواء الطريق المعبّر عنه في بعض العبارات بالايصال الى المطلوب. كما قال تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١).
وهذا المعنى وإن كان عامّا شاملا للمعاني الآتية إلّا أنّ المقصود به في المقام هو المعنى العامّ الشامل لجميع مراتب الايمان ودرجاته ، وبالجملة المراد مطلق الهداية لا الهداية المطلقة.
ومنها : الزيادة في كل مرتبة من مراتب الايمان واليقين في كل حال من الأحوال ، وفي ولاية الائمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، فإنّ السالك لا يزال كلّما يتدرّج الى مرتبة من المراتب يلوح له بعض الأنوار ، ويكشف له عن بعض الأسرار ، وكلّ نور يلوح له في درجة من الدرجات يكون أشدّ إشراقا من السابق ، فإن لله تعالى سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لا حرقت
__________________
(١) القصص : ٥٦.