وهذا غاية الإعجاز للكلام بلا فرق بين تسليم اشتماله على مراتب الفصاحة والبلاغة ، والأسرار الحكميّة والآداب الإلهيّة وعدمه ، فإنّ إعجازه على الأوّل ظاهر ، وكونه خارقا للعادة معجزا لجميع البشر باهر ، وكذا على الثاني أى على فرض عدم التسليم بأنّ إعجازه للفصاحة ، بل للصرفة أيضا ظاهر ، بل لعلّه أظهر ، إذ سلب القدرة عن آحاد النّاس عمّا كانوا يقدرون عليه واستمرار ذلك السّلب في حال حياة السالب وبعدها الى أبد الدهر أعجب وأغرب من إظهار القدرة على ما لا يقدرون عليه.
ألا ترى أنّه لو ادّعى أحد النبوة وقال : إنّ معجزتي المشي على الماء ، وادّعاها آخر وقال : إنّ معجزتي سلب قدرة الناس عن المشي على الأرض لكانا مشتركين في خرق العادة ، بل لعلّ الثاني أعظم قدرا وأجلّ خطرا لكونه تصرفا في الغير ، سيّما مع عمومه وشموله لجميع آحاد النوع ، خصوصا مع استمراره مدّة حياته وبعد وفاته.
وبالجملة كون القرآن معجزا أمر بديهيّ لا شك فيه ولا شبهة يعتريه ، سيّما مع الإخبار فيه في كمال القوّة والاطمئنان بمحضر ومنظر من فصحاء آل عدنان وبلغاء قحطان بأنّه (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١) مع أنّهم قد أذعنوا له بكمال الفصاحة والبلاغة وأعظموا أمره حتّى نسبوه الى السّحر كما حكى عنهم فيه بقوله : (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٢) ، وقد ورد في تفسير قوله تعالى :
__________________
(١) الإسراء : ٨٨.
(٢) الصّافّات : ١٥.