للحق فالإيمان روح لذلك الجسد ، ولذا قال تعالى في وصف الكفار : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) (١) وقال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٢) وما ذلك إلّا لذهاب نور الإيمان من قلوبهم وجوارحهم وكذا الصلاة إذا كملت في شخص وأتى بها كما هو حقّها تصرفت في بدنه ونوّرت قلبه وسمعه وبصره ولسانه ومنعته عن إتباع الشهوات وحثّته على الطاعات ، وكذا ساير العبادات.
ثم إنّ القرآن ليس تلك النقوش بل هو ما يدل عليه تلك النقوش ، وإنما صار الخط وما ينقش عليه محترما لدلالته على ذلك الكلام ، والكلام إنما صار محترما مكرما لدلالته على المعاني التي أرادها الملك العلّام ، فمن انتقش في قواه ألفاظ القرآن وفي عقله معناه واتصف بصفاته الحسنة على ما هي فيه ، واحترز عمّا نهى الله عنه فيه واتعظ بمواعظه ، وصيّر القرآن خلقه ، وداوى به أدواءه ، فهو أولى بالتعظيم والإكرام ، ولذا ورد «انّ المؤمن أعظم حرمة من الكعبة والقرآن».
فاذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما يطلق على الجسد لتعلّق الروح والنفس به الإنسان ، فكذا يجوز أن يطلق على البدن الذي إذا كمل فيه الإيمان ، وتصرّف فيه وصار روحه أنّه إيمان ، وكذا الصلاة والزكاة وسائر الطاعات ، وهذا في القرآن أظهر لأنه قد انتقش بلفظه ومعناه واتصف بصفاته ومؤدّاه واحتوى عليه ، وتصرّف في بدنه وقواه فبالحرّي أن يطلق عليه القرآن ، فاذا عرفت ذلك ظهر لك سرّ الإخبار الواردة في أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام هو كلام الله ، وهو الايمان والإسلام والصلاة والزكاة ، وقس على ذلك حال أعدائه ، وما ورد أنّهم الكفر والفسوق والعصيان ، وشرب الخمر والزنا وسائر المحارم لاستقرار تلك الصفات فيهم ، بحيث
__________________
(١) النحل : ٢١.
(٢) البقرة : ١٨.