(فِيهِ تَدْرُسُونَ) : الجملة الفعلية في محل رفع صفة ـ نعت ـ لكتاب. فيه : جار ومجرور متعلق بتدرسون. تدرسون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : تقرءون فيه مثل هذا الكلام الذي تحكمون به أو تدرسون في ذلك الكتاب أن ما تختارونه وتشتهونه لكم. وحذف مفعول «تدرسون» اختصارا وبمعنى : يستمدون من ذلك الكتاب مثل ذلك الحكم الذي لا يقبله عقل ويقره عدل وهو الذي يقول لهم إن المسلمين كالمجرمين إنه كتاب مضحك لأن المسلمين لا يكونون كالمجرمين لأنهم مذعنون مستسلمون لربهم.
** (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والثلاثين .. أي أنهم يستمدون من ذلك الكتاب الذي أنزل عليهم قوله تعالى : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) من السماء وفيه تهكم بهم وسخرية منهم .. يستمدون منه مثل ذلك الحكم الجائر المعوج الذي لا يقبله عقل ويقره عدل وهو الذي يقول لهم : إن المسلمين كالمجرمين إنه كتاب مضحك لأن المسلمين لا يكونون كالمجرمين لأنهم مذعنون مستسلمون لربهم عزوجل.
** سبب نزول الآية : كان الكفرة يقولون : إن صح أننا نبعث كما يقول محمد فنحن سنكون أحسن حالا من المؤمنين كما نحن عليه الآن في الدنيا فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة وفيها إنكار لقولهم هذا الذي يفصح أو ينم عن غرور عظيم فرد سبحانه عليهم أن الله تعالى لا يسوي ـ يساوي ـ بين المسلمين والمجرمين.
** (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة والثلاثين .. أي أي خبل أو جنون أو غرض لكم كيف تحكمون هذا الحكم الجائر أو الأعوج كأن الأمر مفوض إليكم حتى تحكموا بما شئتم. وجاء القول الكريم على طريقة الالتفات لأنه أبلغ في الإنكار والتوبيخ.
** (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والأربعين .. والكشف عن الساق : كناية عن اشتداد الأمر والحال وتفاقمه في ذلك اليوم وهو يوم القيامة .. يوم الفزع الأكبر .. وجاءت الكلمة «يوم» منكرة ـ أي نكرة ـ للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة خارج عن المألوف كأنه قيل : يوم يقع أمر فظيع هائل .. وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) ليس المراد به هنا : دعوتهم إلى السجود تعبدا وإنما توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا وهم سالمون وأصلابهم قوية واليوم أصلابهم جافة وغير قادرة أي وهم غير قادرين أيضا عليه إضافة إلى أن وقته قد فات .. بمعنى : فهم لا يملكونه وقد كانوا في دنياهم يأبون ويستكبرون والآية الكريمة التالية تدعم هذا التفسير في قوله عزّ من قائل : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) والكشف عن الساق ـ وهو كناية عن شدة الأمر وصعوبة الخطب وأصله في الروع والهزيمة أي يشتد الأمر ويتفاقم إذ لا كشف ولا ساق ـ مثل القول : فلان يده مغلولة .. وهو كناية عن البخل فليس ثمة ـ