عنهما ـ لا تحلفوا بآبائكم. أما يمين المشركين فكان بأسماء الأصنام قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من حلف بغير الله فقال في حلفه : واللات والعزى ـ كيمين المشركين ـ فليقل : لا إله إلا الله «أي تبرئة من الشرك». قال ابن العربي : من حلف بهما جادا فهو كافر ومن قالهما جاهلا أو ذاهلا فإن كلمة التوحيد تكفر عنه وترد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وتنفي عنه ما جرى به من اللغو. جاء في الأمثال : هو ورب الكعبة آخر ما في الجعبة. وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : «الحلف منفعة للسلعة ممحقة للبركة» ومنفعة : أي مزيد مروج .. وممحقة : أي مذهبة بمعنى : إن الحلف اليمين الكاذبة التي ترمى جزافا لخداع الناس أو المشتري لتكون سببا في نفاق السلعة ـ أي رواجها وبيعها ـ وهذا الباطل يجلب الحق وعدم البركة في المال وضياع الثمرة المرجوة من أكل الحلال فتفسد الذرية وتضيع الثقة ويعقب ذلك الخسران المبين والنقص في التجارة ويحبط ثواب العمل. وقيل في الأمثال : حلف بالسمر والقمر قال الأصمعي : السمر : هو الظلمة .. وإنما سميت سمرا لأن العرب كانوا يجتمعون في الظلمة فيسمرون .. أي لا ينامون ويتحدثون ليلا ثم كثر ذلك حتى سمي سمرا. ومعنى المثل : حلف بالقمر وظله.
** (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية والعشرين .. المعنى : أولئك المؤمنون الذين لا يتوددون أو لا يوادون المعادين لله ورسوله أثبت الله تعالى الإيمان في قلوبهم وقواهم بقذف النور في قلوبهم. وقيل : المراد بكلمة «روح» نور القلب .. وقيل : القرآن أو النصر على الأعداء وقيل الضمير في «منه» للإيمان فإنه سبب لحياة القلب.
** سبب نزول الآية : قال عبد الله بن شوذب : نزلت هذه الآية الكريمة في أبي عبيدة بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر .. «لا تجد قوما يؤمنون بالله ..» كما نزلت الآية الكريمة التي قبلها حينما ترجى المسلمون بلاد فارس والروم فقال عبد الله بن أبي : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم فيها والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فأنزل الله تعالى : «كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ..» و «الروح» لها عدة معان .. منها : نور القلب : أي قواهم بنور القلب أو بلطف من عنده حييت به قلوبهم .. ومنها : بمعنى : القرآن أو النصر على الأعداء ويجوز أن يكون الضمير في «منه» للإيمان أي بروح من الإيمان على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به .. وهي سبب الحياة في قوله تعالى في سورة «غافر» : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) يريد به الوحي الذي هو أمر بالخير وبعث عليه فاستعار له الروح. قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : حدثنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو الصادق المصدوق قال : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا إليه في الطور الرابع حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه فيؤمر بأربع كلمات «يكتبها» ويقال له : اكتب عمله ورزقه وأجله ـ طويلا أو قصيرا ـ وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح» صدق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٢)