إعدادات
إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز [ ج ٩ ]
إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز [ ج ٩ ]
المؤلف :بهجت عبدالواحد الشيخلي
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الصفحات :736
تحمیل
** (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) : المعنى : أولئك بعيدون عن الإيمان به بعدهم عمن ينادى من مكان بعيد فلا يسمع .. ويجمع «مكان» جمع قلة على «أمكنة» بمعنى : مواضع .. وجمع كثرة على أماكن .. والمكان : بصيغة «مفعل» من الكون .. ومنه القول : هذا الشيء مكان هذا : بمعنى : بدله .. وفلان من العلم بمكان : أي له في العلم مقدرة ومنزلة. أما «المكانة» وجمعها : مكانات : فمعناها المنزلة ورفعة الشأن. ويقال : فلان يفتش الأمكنة باحثا عن فلان بمعنى سأل عنه. وعلى ذكر هذا المثل يقال يفتش عن فلان أفصح من قولنا : فلان يفتش على فلان لأن الفعل «فتش» يعدى بعن ويعدى بنفسه نحو فتشت الشيء : أي تحريته وتصفحته أما فتشت عن الشيء : فمعناه : سألت عنه واستقصيت في الطلب واسم الفاعل هو المفتش ـ بكسر التاء ـ وهو الذي يعهد إليه بالتفتيش.
** (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة والأربعين .. المعنى لا يمل الإنسان من دعاء الخير .. وقد أضيف المصدر «دعاء» إلى مفعوله «الخير» بغير ذكر الفاعل. فإن دعاء مضاف إلى مفعوله وهو الخير ويكون المصدر قد فارق فعله وجواز حذف فاعله أي فاعل الدعاء إذ لم يقل من دعائه الخير .. أما «يئوس قنوط» فهما من صيغ المبالغة ـ فعول بمعنى فاعل ـ أي كثير اليأس والقنوط .. وجاءت المبالغة في التعبير من جهة بناء فعول ومن جهة التكرير لأن الكلمتين بمعنى واحد.
** (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والخمسين .. المعنى : وإذا أنعمنا على الإنسان انصرف عن شكر المنعم وتكبر وتجبر وتباعد عن قبول الحق وإذا أصابه الضر والفقر أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع وقد استعير العرض لكثرة الدعاء .. و «نأى» بمعنى : بعد .. يقال : نأى عن الشيء ـ ينأى ـ نأيا .. من باب «نفع» وأنأيته عنه : بمعنى : أبعدته عنه وانتوى : أي نوى .. ومنه يقال : انتوى القوم منزلا بموضع كذا : بمعنى قصدوه. و «البعد» ضد القرب .. مأخوذ من بعد الشيء ـ يبعد ـ بعدا فهو بعيد. وما أنت عنا ببعيد وما أنتم منا ببعيد .. يستوي فيه الواحد والجمع والفعل «بعد» عكس «قرب» يقرب فهو قريب ويكون الفعل الرباعي «أبعد» لازما ومتعديا كما قال ابن قتيبة. فالفعل اللازم بمعنى : تباعد نحو : أبعد الرجل عن المنزل .. والفعل المتعدي : أبعدته عن المنزل .. أما استبعدته فمعناه : عددته بعيدا. ويقال : بعدا له : أي دعاء عليه بمعنى أبعده الله .. واسم الفاعل من الفعل «نأى» هو ناء : أي بعيد. قال الشاعر طرفة بن العبد وهو يجمع بين النأي والبعد لضرب من التوكيد : متى أدن منه ينأ عني ويبعد .. وقد جمع شاعر آخر بين اللفظتين في قوله :
أمقطوعة منك الحبائل يا ليلى |
|
ومبعدة عنا فمهلا بنا مهلا |
سهرنا وما معذورة أنت عندنا |
|
لقد هدنا من فرط نأيك ما أبلى |
تعالي إلينا إن وصلك نعمة |
|
ألا إنما المحبوب من أسعد الوصلا |
** (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة الثانية والخمسين .. المعنى : من يكون أضل منكم وأنتم في خلاف شديد والجملة موضوعة موضع «منكم» بيانا لحالهم وصفتهم. أي لا أحد أشد ضلالا منكم. يقال : ضل الرجل الطريق وضل عنه ـ يضل ـ ضلالا وضلالة .. من باب «ضرب» بمعنى : زل عنه فلم يهتد إليه فهو ضال ـ اسم فاعل ـ قال الفيومي : هذه لغة نجد وهي الفصحى وبها جاء القرآن في قوله تعالى في سورة «سبأ» : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) وفي لغة لأهل العالية : الفعل من باب «تعب».