وأنا أعوذ بجميع كلمات الله الكاملة التامّة ، وألوذ بكنف رحمته الشاملة العامّة من كل ما يكلم الدين ويثلم اليقين ، أو يعود في العاقبة بالندم ، أو يقدح في الإيمان المسوط باللحم والدم ، وأسأله بخضوع العنق وخشوع البصر ، ووضع الخد لجلاله الأعظم الأكبر مستشفعا إليه بنوره الذي هو الشيبة في الإسلام ، متوسلا إليه بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام ، وبالتوبة الممحصة للآثام وبما عنيت به من مصابرتي على تواكل من القوى ، وتخاذل من الخطا ، ثم أسأله بحق صراطه المستقيم ، وقرآنه المجيد الكريم ، وبما لقيت من كدح اليمين ، وعرق الجبين في عمل هذا التفسير المبين عن حقائقه المخلص عن مضايقه ، المطلع على غوامضه ، المثبت في مداحضه ، المكتنز بالفوائد التي لا توجد إلا فيه المحيط بما لا يكتنه من بديع ألفاظه ، ومعانيه مع الإيجاز الحاذف للفضول ، وتجنب المستكره المملول متوسط الحجم ، وخير الأمور أوساطها لا تفريطها ولا إفراطها. هذا ولسان التقصير في طول مدحه قصير :
أعيذه بالمصطفى من حاسد قد هما |
|
بذمّه وقد غدا من أجله مهتما |
فليس يبغي ذمّه إلا بغيض أعمى |
|
كفاه ربي شرهم وزان منه الرسما |
وزاد في تدبيرهم تدميرهم والغما |
|
وردّهم بغيظهم فلم ينالوا غنما |
وزاده سعادة ولازمته النعمى
فنسأل الله الكريم الذي به الضر والنفع ، والإعطاء والمنع أن يجعله لوجهه خالصا ، وإن يداركني بألطافه إذ الظل أضحى في القيامة قالصا ، وأن يتجاوز عني إنه السميع العليم ، وأن يرفع به درجتي في جنات النعيم ، وأن يجعله ذخيرة لي عنده إنه ذو الفضل العظيم ، وأن ينفع به من تلقاه بالقبول إنه جواد كريم ، وأن يخفف عني كل تعب ومؤنة ، وأن يمدّني بحسن المعونة ، وأن يهب لي خاتمة الخير ، ويقيني مصارع السوء ، وأن يتجاوز عن فرطاتي يوم التناد ، ولا يفضحني بها على رؤوس الأشهاد أنا ووالدي وأولادي ، وأقاربي وأحبابي ، ويحلنا دار المقام من فضله بواسع طوله وسابغ نوله إنه هو الجواد الكريم ، الرؤوف الرحيم ، وهذا شيء ما كان في قدرتي فإني والله معترف بقصر الباع ، وكثرة الزلل ، ولكن فضل الله وكرمه لا يعلل بشيء من العلل. فلهذا رجوت أن أكون متصفا بإحدى الخصال الثلاث التي إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا منها ، بل أرجو من الله الكريم ، اجتماعها إنه جواد كريم حليم.
قال المؤلف رحمهالله تعالى : وكان الفراغ من تأليفه يوم الإثنين المبارك ، ثالث عشر صفر الخير ، من شهور سنة ثمان وستين وتسعمائة من الهجرة النبوّية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، على يد مؤلفه فقير رحمة ربه القريب محمد بن أحمد الشربيني الخطيب غفر الله تعالى له ذنوبه ، وستر في الدارين عيوبه والمسلمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلاة الله وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين ، والمرسلين والصحابة أجمعين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
يقول المتوسل إلى الله بالجاه الصديقي إبراهيم عبد الغفار الدسوقي ، مصحح دار الطباعة