به المتعوذ؟ قلت : بلى ، قال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)(١).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهم وقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجه وما أقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات» (٢). وعنها أيضا «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذتين وينفث ، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأهما عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها» (٣). وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار» (٤). وعن ابن عباس قال : «قال رجل : يا رسول الله ، أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال : الحال المرتحل ، قال : وما الحال المرتحل؟ قال : الذي يضرب من أوّل القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل» (٥).
وعن أبي هريرة أنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما أذن الله لأحد ما أذن لنبيّ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» (٦).
لطيفة : نختم بها كما ختم بها الفخر الرازي رحمهالله تعالى تفسيره ، وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة ، وهي أنه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات : وهي الغاسق والنفاثات والحاسد. وأمّا في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث : وهي الرب والملك والإله ، والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة.
والفرق بين الموضعين أن الثناء يجب أن يقدر بقدر المطلوب ، فالمطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن ، والمطلوب في السورة الثانية سلامة الدين ، وهذا تنبيه على أنّ مضرة الدين وإن قلت أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت.
وهذا آخر ما يسره الله تعالى من السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير فدونك تفسيرا كأنه سبيكة عسجد ، أو در منضد جمع من التفاسير معظمها ومن القراءات متواترها ، ومن الأقاويل أظهرها ، ومن الأحاديث صحيحها وحسنها محرّر الدلائل في هذا الفنّ مظهرا لدقائق استعملنا الفكر فيها إذا الليل جنّ ، فإذا ظفرت بفائدة شاردة فادع لي بالتجاوز والمغفرة ، أو بزلة قلم أو لسان فافتح لها باب التجاوز والمعذرة :
فلا بدّ من عيب فإن تجدنه |
|
فسامح وكن بالستر أعظم مفضل |
فمن ذا الذي ما ساء قط ومن له ال |
|
محاسن قد تمت سوى خير مرسل |
__________________
(١) أخرجه النسائي في الاستعاذة باب ١.
(٢) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٤٠٢ ، وأبو داود في الأدب حديث ٥٠٥٦.
(٣) أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث ٥٠١٦ ، ومسلم في السلام حديث ٢١٩٢ ، وابن ماجه في الطب حديث ٣٥٢٩.
(٤) تقدم الحديث مع تخريجه قبل قليل.
(٥) أخرجه الترمذي في القراءات حديث ٢٩٤٨ ، والدارمي في فضائل القرآن حديث ٣٤٧٦.
(٦) أخرجه البخاري في التوحيد حديث ٧٥٤٤ ، ومسلم في المسافرين حديث ٧٩٢ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٤٧٣ ، والنسائي في الافتتاح حديث ١٠١٧.