الإجابة في الدعاء ليبالغوا في الدعوات ، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليجتهدوا في العبادة في جميع الأوقات المنهيّ عنها طمعا في إدراكها ، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل أسمائه تعالى ، وأخفى الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل ، وأخفى التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسامها ، وأخفى قيام الساعة ليكونوا على وجل من قيامها بغتة.
ثانيها : أن العبد إذا لم يتيقن ليلة القدر واجتهد في الطاعة رجاء أن يدركها فيباهي الله تعالى به ملائكته ، ويقول : تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء وهذا جدّه واجتهاده في الليلة المظنونة ، فكيف لو جعلتها معلومة فحينئذ يظهر أني أعلم ما لا تعلمون. ثالثها : ليجتهدوا في طلبها والتماسها فينالوا بذلك أجر المجتهدين في العبادة ، بخلاف ما لو عينت في ليلة بعينها لحصل الاقتصار عليها ففاتت العبادة في غيرها.
ثم ذكر الله تعالى فضلها من ثلاثة أوجه : أحدها : ما ذكره بقوله سبحانه : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أي : التي خصصناها بإنزالنا فيها (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ليس فيها ليلة القدر فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها ليلة قدر. وعن ابن عباس رضي الله عنهما «ذكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر ، فعجب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لذلك وتمنى ذلك لأمّته ، فقال : يا رب ، جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا وأقلها أعمالا ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر ، فقال تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة» (١) ، أي : فهي من خصائص هذه الأمة.
وعن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أري أعمار الناس قبله فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي يبلغ غيرهم ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقيل : إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له : عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر ، فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد ، وهي أفضل ليالي السنة ، ويدخل في ذلك ليلة الإسراء فهي أفضل منها إن لم تكن ليلة الإسراء ليلة القدر ، كما قيل : إن الإسراء كان في رمضان ، وإنما كان كذلك لما يريد الله تعالى فيها من المنافع فيكتب فيها جميع خير السنة وشرّها ورزقها وأجلها وبلائها ورخائها ومعاشها إلى مثلها من السنة ، ولا يشكل ذلك بما قيل : إن الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ، لما ورد أنّ الله تعالى يأمر بنسخ ما يكون في السنة من الآجال والأمراض والأرزاق ونحوها في ليلة النصف من شعبان ، فإذا كان ليلة القدر فيسلمها إلى أربابها. وقيل : يقدّر في ليلة النصف من شعبان الآجال والأمراض ، وفي ليلة القدر الأمور التي فيها الخير والبركة والسلامة.
الوجه الثاني : من فضائلها ما ذكره الله تعالى في قوله جلّ ذكره : (تَنَزَّلُ) أي : تنزلا متدرجا متواصلا على غاية ما يكون من الخفة والسرعة بما أشار إليه حذف التاء (الْمَلائِكَةُ) أي : إلى الأرض. روي أنه إذا كان ليلة القدر تنزل الملائكة وهم سكان سدرة المنتهى (وَالرُّوحُ) أي : جبريل عليهالسلام (فِيها) أي : في الليلة ومعه أربعة ألوية فينصب لواء على قبر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولواء
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.