الشفع تضاد أوصاف المخلوقين من العز والذل ، والقدرة والعجز ، والقوّة والضعف ، والعلم والجهل ، والبصر والعمى. والوتر انفراد صفات الله سبحانه وتعالى عز بلا ذل ، وقدرة بلا عجز ، وقوّة بلا ضعف ، وعلم بلا جهل ، وحياة بلا موت. وعن عكرمة الوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر ، واختاره النحاس وقال هو الذي صح عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيوم عرفة وتر لأنه تاسعها ويوم النحر شفع لأنه عاشرها. وقال ابن الزبير : الشفع الحادي عشر والثاني عشر من أيام منى ، والوتر الثالث عشر. وقال الضحاك : الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام منى الثلاثة. وقيل : الشفع والوتر آدم عليهالسلام كان وترا فشفع بزوجته حوّاء ، حكاه القشيريّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقرأ حمزة والكسائيّ بكسر الواو والباقون بفتحها وهما لغتان الفتح لغة قريش ومن والاها والكسر لغة تميم.
وقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) قسم خامس بعدما أقسم بالليالي العشر على الخصوص أقسم به على العموم ، ومعنى يسر سار وذهب كما قال الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) [المدثر : ٣٣]. وقال قتادة : إذا جاء وأقبل وقيل : معنى يسر ، أي : يسري فيه كما يقال : ليل نائم ونهار صائم ، ومنه قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] وقرأ نافع وأبو عمرو بإثبات الياء بعد الراء وصلا لا وقفا ، وأثبتها ابن كثير في الحالين ، وحذفها الباقون في الحالين لسقوطها في خط المصحف الكريم وإثباتها هو الأصل لأنها لام فعل مضارع مرفوع ، ومن فرق بين حالتي الوقف والوصل فلأنّ الوقف محل استراحة وسئل الأخفش عن العلة في سقوط الياء فقال : الليل لا يسري ولكن يسرى فيه فهو مصروف فلما صرفه تجنبه حظه من الإعراب كقوله تعالى : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم : ٢٨] ولم يقل بغية ، لأنه صرفه عن باغية وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم والجواب محذوف تقديره : لتعذبن يا كفار مكة بدليل قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) إلى قوله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) وما بينهما اعتراض.
وقوله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ ،) أي : القسم والمقسم به (قَسَمٌ ،) أي : حلف أو محلوف (لِذِي حِجْرٍ) استفهام معناه التقرير ، كقولك : ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت أو المراد منه التأكيد لما أقسم عليه كمن ذكر حجة بالغة ، ثم قال : هل فيما ذكرته حجة والمعنى : إنّ من كان ذا لب علم أنّ ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه ، والحجر العقل لأنه يحجر عن التهافت فيما لا ينبغي كما يسمى عقلا ونهية لأنه يعقل وينهى وحصاة من الإحصاء وهو الضبط. وقال الفراء : يقال إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها.
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ولكن المراد به العموم والمراد بالرؤية العلم ، أي : ألم تعلم يا أشرف رسلنا (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ،) أي : المحسن إليك بأنواع النعم (بِعادٍ) (إِرَمَ) وهو ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليهالسلام ، ثم إنهم جعلوا لفظ عاد اسما للقبيلة كما يقال لبني هاشم : هاشم ، ولبني تميم : تميم ، ثم قيل للأوّلين منهم عاد الأولى ، وإرم تسمية لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة. فإرم في قوله تعالى : (عاد) (إِرَمَ) عطف بيان لعاد وإيذان بأنهم عاد الأولى القديمة وقيل : إرم بلدتهم وأرضهم التي كانوا فيها. وقوله تعالى : (ذاتِ) ، أي : صاحبة (الْعِمادِ) فينظر فيه إن كانت صفة للقبيلة فالمعنى : أنهم كانوا بدويين أهل عمد وطوال الأجسام