واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين غزاهما. قال أنس بن مالك : رأيته يوم القادسية راكبا وعليه درع وله راية سوداء.
(وَما يُدْرِيكَ) أي : أيّ شيء يجعلك داريا بحاله (لَعَلَّهُ) أي : الأعمى (يَزَّكَّى) فيه إدغام التاء في الأصل في الزاي ، أي : يتطهر من الذنوب بما يسمع منك وفي ذلك إيماء بأنّ إعراضه كان لتزكية غيره.
(أَوْ يَذَّكَّرُ) فيه إدغام التاء في الذال أي : يتعظ وتسبب عن تزكيته وتذكره قوله تعالى : (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) أي : العظة المسموعة منك ، وقرأ عاصم بنصب العين والباقون برفعها ، فمن رفع فهو نسق على قوله تعالى : (أَوْ يَذَّكَّرُ) ومن نصب فعلى جواب الترجي كقوله تعالى في غافر : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) [غافر : ٣٧]. وقال ابن عطية في جواب التمني لأن قوله تعالى : (أَوْ يَذَّكَّرُ) في حكم قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)
واعترض عليه أبو حيان : بأنّ هذا ليس تمنيا وإنما هو ترج. وأجيب عنه : بأنه إنما يريد التمني المفهوم وقت الذكرى.
وقرأ (الذِّكْرى) أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وورش بين اللفظين ، والباقون بالفتح وقيل : الضمير في لعله للكافر يعني : أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر فتقرّبه الذكرى إلى قبول الحق وما يدريك أنّ ما طمعت فيه كائن.
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) أي : بالمال ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : استغنى عن الله وعن الإيمان بما له من المال. (فَأَنْتَ لَهُ) أي : دون الأعمى (تَصَدَّى) أي : تتعرّض له بالإقبال عليه والمصادّة المعارضة وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الصاد بإدغام التاء الثانية في الأصل فيها والباقون بالتخفيف.
(وَما) أي : فعلت ذلك والحال أنه ما (عَلَيْكَ) أي : وليس عليك بأس (أَلَّا يَزَّكَّى) أي : في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم إن عليك إلا البلاغ.
(وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ) حال كونه (يَسْعى) أي : يسرع في طلب الخير وهو ابن أمّ مكتوم (وَهُوَ) أي : والحال أنه (يَخْشى) أي : الله أو الكفار في أذاهم على الإتيان إليك. وقيل : جاء وليس معه قائد فهو يخشى الكبوة ، وقرأ قالون وأبو عمرو والسدّي بسكون الهاء والباقون بضمها.
(فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) فيه حذف التاء الآخرة في الأصل ، أي : تتشاغل ، وقرأ (وَتَوَلَّى ، الْأَعْمى ، يُزَكِّي ، * مَنِ اسْتَغْنى ، تَصَدَّى ، يُزَكِّي ، * يَسْعى ، يَخْشى ، تَلَهَّى) حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وورش وأبو عمرو بين بين ، والفتح عن ورش قليل والباقون بالفتح.
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع عن العاتب عليه وعن معاودة مثله. فإن قيل : ما فعله ابن أمّ مكتوم كان يستحق عليه التأديب والزجر ، فكيف عاتب الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم على تأديبه ، لأنه وإن كان أعمى فقد سمع مخاطبته صلىاللهعليهوسلم لأولئك الكفار ، وكان بسماعه يعرف شدّة اهتمام النبيّ صلىاللهعليهوسلم بشأنهم ، فكان إقدامه على قطع كلامه صلىاللهعليهوسلم لغرض نفسه قبل تمام كلام النبيّ صلىاللهعليهوسلم معصية عظيمة ، وأيضا فإنّ الأهمّ يقدّم على المهمّ ، وكان قد أسلم وتعلم ما يحتاج من أمر الدين ، وأما أولئك الكفار فلم