قَوْمٌ) أي : من رجال ، فإنّ ذلك يوجب الشرّ لأنّ أضعف الناس إذا استهزئ به قوي لما يثور عنده من حظ النفس.
قال ابن عباس : «نزلت في ثابت بن قيس كان في أذنه وقر أي ثقل فكان إذا أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر فلما انصرف النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم فضنّ أي بخل كل رجل منهم بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا قام قائما فلما فرغ ثابت من صلاته أقبل نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا تفسحوا فجعلوا يتفسحون حتى انتهى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وبينه وبينه رجل فقال له : تفسح فقال الرجل : قد أصبت مجلسا فاجلس. فجلس ثابت خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال : من هذا. فقال له : أنا فلان فقال له ثابت : ابن فلانة ذكر أمّا له كان يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه فاستحيا فأنزل الله تعالى هذه الآية» (١).
وقال الضحاك نزلت في وفد تميم كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم مثل عمار وخبيب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوا من رثاثة حالهم. ومعنى الآية : لا تحقروا إخوانكم ولا تستصغروهم ثم علل النهي بقوله تعالى : (عَسى) أي : لأنه جدير وخليق لهم (أَنْ يَكُونُوا) أي : المستهزأ بهم (خَيْراً مِنْهُمْ) فينقلب الأمر عليهم وتكون لهم سوء العاقبة. قال ابن مسعود : البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب خشيت أن أحوّل كلبا وقال القشيري : ما استصغر أحد أحدا إلا سلط عليه ولا ينبغي أن يغتر بظاهر أحوال الناس ، فإنّ في الزوايا خبايا. والحق سبحانه يستر أولياءه في حجاب الظنة وكذا في الخبر «كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره» (٢).
(وَلا) يسخر (نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) ثم علل النهي بقوله تعالى : (عَسى) أي : ينبغي أن يخفن من (أَنْ يَكُنَ) أي : المسخور بهنّ (خَيْراً مِنْهُنَ) أي الساخرات. روي أنها نزلت في نساء النبيّ صلىاللهعليهوسلم عيرن أمّ سلمة بالقصر. وروى عكرمة عن ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب قال لها النساء يهودية بنت يهوديين.
تنبيهان : أحدهما : قال الرازي : القوم اسم يقع على جمع من الرجال ولا يقع على النساء ولا على الأطفال لأنه جمع قائم. والقائم بالأمور هم الرجال وعلى هذا ففي إفراد الرجال والنساء. فائدة ، وهي أنّ عدم الالتفات والاستحقار أن يصدر في أكثر الأمر من الرجال بالنسبة إلى الرجال لأنّ المرأة في نفسها ضعيفة ، قال صلىاللهعليهوسلم «النساء لحم على وضم» (٣) فالمرأة لا يوجد منها استحقار لرجل لأنها مضطرّة إليه في رفع حوائجها ، وأمّا الرجال بالنسبة إلى الرجال والنساء بالنسبة إلى النساء فإنه يوجد فيهنّ ذلك.
__________________
(١) انظر البغوي في تفسيره ٤ / ٢٦٠.
(٢) أخرجه الترمذي في المناقب حديث ٣٨٥٤ ، وابن ماجه في الزهد باب ٤ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٤١٥٤ ، ٣٤١٥٥ ،
(٣) ذكره ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٥ / ١٩٨. من حديث عمر بلفظ : «إنما النساء لحم على وضم ، إلّا ما ذبّ عنه».