الشيء الواحد لا يكون دفعة في مكانين ، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله سبحانه وتعظيم قدرته ، والمراد الملك الموكل بالعذاب وهو جبريل عليهالسلام.
وقوله تعالى : (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) بدل من (مَنْ فِي السَّماءِ) بدل اشتمال ، وقال القرطبي : يحتمل أن يكون المعنى : أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون ، وقرأ : (مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ) نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية المفتوحة بعد الكسرة ياء في الوصل والباقون بتحقيقهما (فَإِذا هِيَ) أي : الأرض التي أنتم عليها (تَمُورُ) أي : تضطرب وهي تهوي بكم وتجري هابطة في الهواء وتتكفأ إلى حيث شاء سبحانه ، قال في «القاموس» : المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك ، وقال الرازي : إن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها يذهبون ، والأرض فوقهم تمور فتقلبهم إلى أسفل السافلين.
وقال القرطبي : قال المحققون : أأمنتم من فوق السماء كقوله تعالى : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) [التوبة : ٢] ، أي : فوقها لا بالمماسة والتحيز بل بالقهر والتدبير والأخبار في هذا صحيحة كثيرة منتشرة مشيرة إلى العلوّ لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل أو معاند ، والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت ووصفه بالعلوّ والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود ، لأنها صفات الأجسام وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء ، لأن السماء مهبط الوحي ومنزل القطر ومحل القدس ومعدن المطهرين من الملائكة وإليها ترفع أعمال العباد وفوقها عرشه وجنته ، كما جعل الله تعالى الكعبة قبلة للصلاة ، ولأنه تعالى خلق الأمكنة وهو غير متحيز وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان.
وقوله تعالى : (أَمْ أَمِنْتُمْ) أي : أيها المكذبون (مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ) بدل من (مَنْ فِي السَّماءِ) بدل اشتمال. (عَلَيْكُمْ) أي : من السماء (حاصِباً) قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي : حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل ، وقيل : ريح فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء لشدتها وقوتها ، وقيل : هي سحاب فيها حجارة (فَسَتَعْلَمُونَ) أي : عن قريب بوعد لا يخلف عند معاينة العذاب (كَيْفَ نَذِيرِ) أي : إنذاري البليغ إذا شاهدتم العذاب ، وهو بحيث لا يستطاع ولا تتعلق الأطماع بكشف له ولا دفاع. قال البقاعي : وحذف الياء منه ومن نكير إشارة إلى أنه وإن كان خارجا عن الطوق ليس منتهى مقدوره بل لديه مزيد لا غاية له بوجه ولا تحزير ، أي : على قراءة أكثر القراء فقد قرأ ورش بالياء في الوصل فيهما دون الوقف والباقون بغير ياء وقفا ووصلا.
(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : إنكاري عليهم لما أصبتهم به من العذاب.
ولما ذكر تعالى ما تقدم من الوعيد ذكر البرهان على كمال قدرته بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أجمع القراء على القراءة بالغيب لأن السياق للرد على المكذبين بخلاف ما في النحل وأشار إلى بعد الغاية بحرف النهاية فقال تعالى : (إِلَى الطَّيْرِ) وهو جمع طائر (فَوْقَهُمْ) أي : في الهواء ، وقوله تعالى : (صافَّاتٍ) أي : باسطات أجنحتهن يجوز أن يكون حالا من الطير وأن يكون حالا من فوقهم إذا جعلناه حالا فتكون متداخلة وفوقهم ظرف لصافات على الأول أو ليروا.