وقوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) مصدر بمعنى الكذب والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر كقوله تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) [الغاشية : ١١] أي : لغو والمعنى : ليس لها كذب قاله الكسائي ، أو صفة والموصوف محذوف أي : ليس لوقعتها حال كاذبة ، أي : كل من يخبر عن وقعتها صادق ، أو نفس كاذبة بأن تنفيها كما نفتها في الدنيا وقال الزجاج : ليس لوقعتها كاذبة أي : لا يردها شيء ، وقيل : إنّ قيامها جد لا هزل وقوله تعالى : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) تقرير لعظمتها وهو خبر لمبتدأ محذوف أي : هي ، قال عكرمة ومقاتل : خفضت الصوت فأسمعت من دنا ، ورفعت الصوت فأسمعت من نأى يعني : أسمعت القريب والبعيد. وعن السدي خفضت المتكبرين ورفعت المستضعفين.
وقال قتادة : خفضت أقواما في عذاب الله تعالى ورفعت أقواما إلى طاعة الله تعالى. وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : خفضت أعداء الله تعالى في النار ورفعت أولياء الله تعالى في الجنة. وقال ابن عطاء : خفضت قوما بالعدل ورفعت آخرين بالفضل. ولا مانع أنّ كل ذلك موجود فيها والرفع والخفض يستعملان عند العرب في المكان والمكانة والعز والإهانة ؛ ونسب سبحانه وتعالى الخفض والرفع إلى القيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لا يمكن منه الفعل ، يقولون : ليل قائم ونهار صائم وفي التنزيل : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] والخافض والرافع في الحقيقة هو الله تعالى ، واللام في قوله تعالى : (لِوَقْعَتِها) إمّا للتعليل أي : لا تكذب نفس في ذلك اليوم لشدّة وقعتها ، وإمّا للتعدية كقولك ليس لزيد ضارب ، فيكون التقدير إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها أمر يوجد لها كاذب إذا أخبر عنه.
قال الرازي : وعلى هذا لا تكون ليس عاملة في إذا وهي بمعنى ليس لها كاذب (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ) أي : كلها على سعتها وثقلها بأيسر أمر (رَجًّا) أي : حركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل ، قال بعض المفسرين : ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم ما عليها وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها ، والرجرجة : الاضطراب ، وارتج البحر وغيره واضطرب وفي الحديث : «من ركب البحر حين يرتج فلا ذمة له» (١). يعني إذا اضطربت أمواجه والظرف متعلق بخافضة أو بدل من إذا وقعت.
ولما ذكر حركتها المزعجة أتبعها غايتها بقوله تعالى : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي : فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لتّه ؛ قال ابن عباس ومجاهد : كما يبس الدقيق أي : يلت ، والبسيسة السويق ، أو الدقيق يلت بالسمن أو الزيت ثم يؤكل ولا يطبخ وقد يتخذ زادا قال الراجز (٢):
لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا |
|
ولا تطيلا بمناخ حبسا |
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٧٩ ، ٢٧١ ، والقرطبي في تفسير ١٢ / ٢٨٤ ، ١٧ / ١٩٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٤١٣٧١.
(٢) الرجز لبعض اللصوص في الحيوان ٤ / ٤٩٠ ، وبلا نسبة في لسان العرب (خبز) ، (بحسس) ، (حدس) ، وتهذيب اللغة ٧ / ٢١٥ ، ٢١٦ ، ١٢ / ٣١٦ ، وتاج العروس (خبز) ، (حدس) ، (بسس) ، وديوان الأدب ٢ / ١٦٠ ، ٣ / ١٢٤.