الاسم الأعظم بقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ) على ما احتوت عليه بما يعجز الوصف من العبر (وَالْأَرْضَ) على ما اشتملت عليه من الآيات المدركة بالعيان والخبر (وَلَمْ يَعْيَ) أي : ولم يتعب ولم يعجز (بِخَلْقِهِنَ) أي : بسبب من الأسباب. فإنه لو حصل له شيء من ذلك أدّى إلى نقصان فيهما ، أو في إحداهما. وأكد الإنكار المتضمن للنفي بزيادة الجارّ في خبر أنّ فقال : (بِقادِرٍ) أي : قدرة عظيمة (عَلى أَنْ يُحْيِيَ) أي : على سبيل التجديد مستمرّا (الْمَوْتى) والأمر فيهم لكونه إعادة وكونه جزء يسيرا مما ذكر ، اختراعه أصغر شأنا وأسهل صنعا وأجاب بقوله تعالى (بَلى) لأنّ هذا الاستفهام الإنكاري في معنى النفي. أي : قد علموا أنه قادر على ذلك علما هو في إيقانه كالبصر لأنهم يعلمون أنه المخترع لذلك ، وأن الإعادة أهون من الابتداء في مجاري عاداتهم ، ولكنهم عن ذلك غافلون لأنهم عنه معرضون. وقوله تعالى : (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود. كأنه لما صدر السورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد.
ولما أثبت البعث بما أقام من الدلائل ، ذكر بعض ما يحصل في يومه من الأهوال. بقوله تعالى : (وَيَوْمَ) أي : واذكر يوم (يُعْرَضُ) أي : بأيسر أمر من أوامرنا (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ستروا بغفلتهم وتماديهم الأدلة الظاهرة (عَلَى النَّارِ) عرض الجند على الملك ، فيسمعون من تغيظها وزفيرها ما لو قدّر أن أحدا يموت في ذلك اليوم لماتوا من معاينته ، وهائل رؤيته ثم يقال لهم (أَلَيْسَ هذا) أي : الأمر الذي كنتم به توعدون ، ولرسلنا في إخبارهم به تكذبون (بِالْحَقِ) أي : الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع ، أم هو خيال وسحر (قالُوا) أي : مصدّقين حيث لا ينفعهم التصديق (بَلى) وما كفاهم البدار إلى تكذيب أنفسهم حتى أقسموا عليه بقولهم : (وَرَبِّنا) أي إنه لحق هو أثبت الأشياء ، وليس فيه شيء مما يقارب السحر.
تنبيه : المقصود من هذا الاستفهام التحكم والتوبيخ على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده. (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ) أي : باشروه مباشرة الذائق باللسان. ومعنى الأمر ؛ الإهانة بهم والتوبيخ لهم ثم صرّح بالسبب فقال تعالى : (بِما كُنْتُمْ) أي : خلقا مستمرّا (تَكْفُرُونَ) في دار العمل.
ولما قرّر تعالى المطالب الثلاثة ؛ وهي التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد. وأجاب عن الشبهات أردفه بما يجري مجرى الوعظ والنصيحة لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك لأنّ الكفار كانوا يؤذونه ويوحشون صدره. فقال تعالى : (فَاصْبِرْ) أي : على مشاق ما ترى في تبليغ الرسالة ، وعلى أذى قومك قال القشيري : الصبر ، هو الوثوق بحكم الله تعالى والثبات من غير بث ولا استكراه (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) أي : الثبات والجدّ في الأمور. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أولو الحزم وقوله تعالى : (مِنَ الرُّسُلِ) يجوز فيه أن تكون (مِنَ) تبعيضية وعلى هذا فالرسل : أولو عزم وغير أولي عزم ويجوز أن تكون للبيان ، وعليه جرى الجلال المحلي فكلهم على هذا أولو عزم.
قال ابن زيد كل الرسل كانوا أولي عزم وحزم ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت من للتجنيس لا للتبعيض كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز. وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يونس لعلة كانت فيه. ألا ترى أنه قيل لنبينا صلىاللهعليهوسلم (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [القلم : ٤٨] وقال قوم : هم نجباء الرسل ، وهم المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر لقوله تعالى بعد ذكرهم (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] وقال الكلبيّ هم الذين أمروا بالجهاد ، وأظهروا المكاشفة مع أعداء الله تعالى وقيل : هم ستة ؛ نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى.