وقدرة على ما يعانونه وهم القبط فرعون وقومه (الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآياتِنا) فذهبا إليهم بالرسالة فكذبوهما (فَدَمَّرْناهُمْ
تَدْمِيراً) أي : أهلكناهم إهلاكا أي : فأنت يا محمد لست أوّل من
كذّب من الرسل فلك أسوة بمن قبلك ، فإن قيل : الفاء للتعقيب والإهلاك لم يحصل عقب
بعثة موسى وهارون إليهم بل بعده بمدة مديدة؟ أجيب : بأن فاء التعقيب محمولة هنا
على الحكم بإهلاكهم لا على الوقوع أو على أنه على إرادة اختصار القصة فاقتصر على
حاشيتيها أي : أولها وآخرها لأنهما المقصودان من القصة بطولها أعني إلزام الحجة
ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
تنبيه : قوله تعالى : (كَذَّبُوا
بِآياتِنا) إن حملنا تكذيب الآيات على الآيات الإلهية فهو ظاهر ،
وإن حملناه على تكذيب آيات النبوّة فاللفظ ، وإن كان للماضي فالمراد به المستقبل.
القصة الثانية
: قصة نوح عليهالسلام المذكورة في قوله تعالى : (وَقَوْمَ) أي : ودمرنا قوم (نُوحٍ
لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) كأنهم كذبوا نوحا ومن قبله من الرسل صريحا أو كان
تكذيبهم لواحد منهم تكذيبا للجميع بالقوة ، لأن المعجزات هي البرهان على صدقهم وهي
متساوية الإقدام في كونها خوارق لا يقدر على معارضتها فالتكذيب بشيء منها تكذيب
للجميع أولم يروا بعثة الرسل أصلا كالبراهمة وهم قوم يمنعون بعثة الرسل نسبوا إلى
رجل يقال له برهام قد مهد لهم ذلك وقرره في عقولهم ، ولأنهم عللوا تكذيبهم بأنه من
البشر فلزمهم تكذيب كل رسول من البشر ، ثم بين تعالى تدميرهم بقوله تعالى : (أَغْرَقْناهُمْ) قال الكلبي : أمطرنا عليهم السماء أربعين يوما ، وأخرج
ماء الأرض أيضا في تلك الأربعين ، فصارت الأرض بحرا واحدا (وَجَعَلْناهُمْ) أي : قوم نوح في ذلك (لِلنَّاسِ
آيَةً) أي : لمن بعدهم عبرة ليعتبر كل من سلك طريقهم (وَأَعْتَدْنا) أي : هيأنا في الآخرة (لِلظَّالِمِينَ) أي : للكافرين ، وكان الأصل لهم ولكنه تعالى أظهر
تعميما وتعليقا للحكم بالوصف (عَذاباً
أَلِيماً) أي : مؤلما سوى ما يحل بهم في الدنيا.
القصة الثالثة
: قصة هود عليهالسلام المذكورة في قوله تعالى : (وَعاداً) أي : ودمرنا عادا قوم هود بالريح.
القصة الرابعة
: قصة صالح عليهالسلام المذكورة في قوله : (وَثَمُودَ) أي : ودمرنا ثمودا قوم صالح بالصيحة.
القصة الخامسة
المذكورة في قوله تعالى : (وَأَصْحابَ
الرَّسِ) أي : البئر التي هي غير مطوية أي : مبنية قال ابن جرير
: والرس في كلام العرب كل محفور مثل البئر والقبر أي : ودمرناهم بالخسف.
واختلف في
نبيهم ، فقيل : شعيب وقيل غيره ، كانوا قعودا حولها فانهارت بهم وبمنازلهم فهلكوا
جميعا ، وقال الكلبي : الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله تعالى وفلج
بفتح الفاء واللام والجيم قرية عظيمة بناحية اليمن من مساكن عاد وبسكون اللام واد
قريب من البصرة ، وقيل : الرس الأخدود ، وقيل : بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا
النجار ، وقيل : أصحاب حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من
الطير سميت بذلك لطول عنقها ، وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له : تخ ، قيل : هو بتاء
فوقية ، فخاء معجمة أو مهملة ، وبياء تحتية وجيم وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن
أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ، ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا.