إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير الخطيب الشربيني [ ج ٢ ]

تفسير الخطيب الشربيني [ ج ٢ ]

68/717
*

مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ومرّت بالبيت العتيق ، وقد رفعه الله تعالى من الغرق وبقي موضعه ، فطافت به السفينة سبعا. وأودع الحجر الأسود في جبل أبي قبيس ، وهبط نوح ومن معه في السفينة يوم عاشوراء فصامه نوح وأمر من معه بصيامه شكرا لله تعالى. وبنوا قرية بقرب الجبل وسميت سوق ثمانين فهي أوّل قرية عمرت على وجه الأرض بعد الطوفان. وقيل : إنه لم ينج أحد من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق وكان الماء يصل إلى حجزته وهذا لا يأتي على القول بإطباق الماء. قال هذا القائل : وسبب نجاته أنّ نوحا احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقله ، فحمله عوج إليه من الشام فنجاه الله تعالى من الغرق بذلك. فإن قيل : كيف أغرق الله تعالى من لم يبلغ الحلم من الأطفال؟ أجيب : بأنه تعالى يتصرف في خلقه لا يسئل عما يفعل. وقيل : إنّ الله تعالى أعقم أرحام نسائهم أربعمائة سنة فلم يولد لهم تلك المدّة.

(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) أي : دعاه وسأله (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) أي : الصدق الذي لا خلف فيه (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) لأنك أعلمهم وأعدلهم. فإن قيل : إذا كان النداء هو قوله ربّ فكيف عطف (فَقالَ رَبِ) على (نادى) بالفاء؟ أجيب : بأن الفاء تفصيل لمجمل نادى ، مثلها في : توضأ فغسل. وقيل : (نادى ،) أي : أراد نداءه فقال رب.

(قالَ) الله تعالى له (يا نُوحُ إِنَّهُ) أي : هذا الابن الذي سألت نجاته (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي : المحكوم بنجاتهم لإيمانهم وكفره ، ولهذا علل بقوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) وقرأ الكسائي بكسر الميم ونصب اللام بغير تنوين ونصب الراء ، أي : عمل الكفر والتكذيب وكل هذا غير صالح والباقون بفتح الميم ورفع اللام منونة ورفع الراء ، أي : ذو عمل غير صالح أو صاحب عمل غير صالح ، فجعل ذات العمل للمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة ترتع (١) :

فإنما هي إقبال وإدبار

واختلف علماء التفسير هل كان ذلك الولد ابن نوح أو لا على أقوال : الأوّل : وهو قول ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والأكثرين : إنه ابنه حقيقة ويدل عليه أنه تعالى نص عليه فقال : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) ونوح أيضا نص عليه فقال : (يا بُنَيَ) وصرف هذا اللفظ إلى أنه رباه وأطلق عليه اسم الابن لهذا السبب صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه من غير ضرورة. القول الثاني : أنه كان ابن امرأته وهو قول محمد بن علي الباقر ، وقول الحسن البصري. والقول الثالث : وهو قول مجاهد والحسن : أنه ولد حنث ولد على فراشه ولم يعلم نوح بذلك ، واحتج هذا القائل بقوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط (فَخانَتاهُما) [التحريم ، ١٠]. قال الرازي : وهذا قول واه حيث يجب صون منصب الأنبياء عن هذه الفضيحة لا سيما وهو خلاف نص القرآن. وقد قيل لابن

__________________

(١) صدره :

ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت

والبيت من البسيط ، وهو للخنساء في ديوانها ص ٣٨٣ ، والأشباه والنظائر ١ / ١٩٨ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٣١ ، ٢ / ٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٨٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٥٤ ، والكتاب ١ / ٣٣٧ ، ولسان العرب (رهط) ، (قبل) ، (سوا) ، والمقتضب ٤ / ٣٠٥ ، والمنصف ١ / ١٩٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٨٧ ، و ٤ / ٦٨ ، وشرح الأشموني ١ / ٢١٣ ، وشرح المفصل ١ / ١١٥ ، والمحتسب ٢ / ٤٣.