تستقل رجلاه فجعل نوح يقول : ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال : ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك ، كلمة زلت على لسانه ، فلما قالها خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه فقال نوح : ما أدخلك عليّ يا عدوّ الله؟ قال : ما لك بد أن تحملني معك فكان معه على ظهر السفينة. هكذا نقله البغويّ. قال الرازيّ : وأمّا الذي يروى أنّ إبليس دخل السفينة فبعيد لأنّه من الجنّ وهو جسم ناري أو هوائي ، فكيف يؤثر الغرق فيه ، وأيضا كتاب الله تعالى لم يدل عليه ولم يرد في ذلك خبر صحيح فالأولى ترك الخوض في ذلك. قال البغويّ : وروي أنّ بعضهم قال : إنّ الحية والعقرب أتيا نوحا عليهالسلام فقالتا احملنا معك ، فقال : إنكما سبب البلاء فلا أحملكما فقالتا : احملنا فإنا نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك. فمن قرأ حين يخاف مضرتهما (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [الصافات ، ٧٩] لم يضراه. وقال الحسن : لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض ، فأمّا ما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منها شيئا.
(وَقالَ) نوح لمن معه (ارْكَبُوا) أي : صيروا (فِيها) أي : السفينة وجعل ذلك ركوبا ؛ لأنها في الماء كمركوب في الأرض ، وقوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) متصل باركبوا حال من الواو في اركبوا ، أي : اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين بسم الله وقت اجرائها وارسائها. قال الضحاك : كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال : بسم الله جرت ، وإذا أراد أن ترسو قال : بسم الله رست. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بنصب الميم من جرت ورست ، أي : جريها ورسوها وهما مصدران ، والباقون بضم الميم من أجريت وأرسيت أي : بسم الله إجراؤها وإرساؤها وأمال الألف بعد الراء أبو عمرو وحفص وحمزة والكسائي محضة وورش بين اللفظين والباقون بالفتح ، وذكروا في عامل الإعراب في بسم الله وجوها : الأوّل : اركبوا بسم الله ، الثاني : ابدؤوا بسم الله ، الثالث : بسم الله إجراؤها (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : لو لا مغفرته لفرطاتكم ورحمته إياكم لما نجاكم.
وقوله تعالى : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ) متعلق بمحذوف دلّ عليه اركبوا ، أي : فركبوا مسمين الله تعالى وهي تجري وهم فيها (فِي مَوْجٍ) وهو ما ارتفع من الماء إذا اشتدّت عليه الريح (كَالْجِبالِ) في عظمه وارتفاعه على الماء ، قال العلماء : بالسير أرسل الله تعالى المطر أربعين يوما وليلة. وخرج الماء من الأرض فذلك قوله تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر ، ١١ ، ١٢] فصار الماء نصفين نصف من السماء ونصف من الأرض وارتفع الماء على أعلى جبل وأطوله أربعين ذراعا ، وقيل : خمسة عشر ذراعا حتى أغرق كل شيء ، وروي أنه لما كثر الماء في السكك خافت امرأة على ولدها من الغرق وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه ، فلما بلغها الماء ذهبت حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبيّ بيديها حتى ذهب بهما الماء ، فلو رحم الله تعالى منهم أحدا لرحم هذه المرأة. وما قيل من أنّ الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجري في جوفه كما تسبح السمكة فليس بثابت. قال البيضاويّ : والمشهور أنه علا شوامخ الجبال خمسة عشر ذراعا. فإن صح ، أي : أنه طبق ما بين السماء والأرض فلعل ذلك أي : ما ذكر من علو الموج قبل التطبيق (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) كنعان وكان كافرا كما مرّ ، وقيل : اسمه يام (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) عزل فيه نفسه إمّا عن أبيه أو دينه ولم يركب معه ، وإمّا