بالهلاك وهو زوجته وولده كنعان بخلاف سام وحام ويافث ، فحملهم وزوجاتهم الثلاثة ، وفي سورة هود (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود ، ٤٠] ، قيل : كانوا ستة رجال ونساءهم ، وقيل : جميع من كان في السفينة ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء (وَلا تُخاطِبْنِي) أي : بالسؤال في النجاة (فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : كفروا ، ثم علل ذلك بقوله تعالى : (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) أي : قد حتم القضاء عليهم لظلمهم بالإشراك والمعاصي ، ومن هذا شأنه لا يشفع له ، فإنه تعالى بعد أن أملى لهم الدهر المتطاول فلم يزيدوا إلا ضلالا ولزمتهم الحجة البالغة لم يبق إلا أن يجعلوا عبرة للمعتبرين ونحن نكرمك عن سؤال لا يقبل.
ولقد بالغ سبحانه وتعالى حيث اتبع النهي عنه الأمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم بقوله تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ) أي : اعتدلت (أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ) أي : من البشر وغيرهم (عَلَى الْفُلْكِ) ففرغت من امتثال الأمر بالحمل (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي : الذي لا كفء له ؛ لأنه مختص بصفات الحمد (الَّذِي نَجَّانا) بحملنا فيه (مِنَ الْقَوْمِ) أي : الأعداء الأغبياء (الظَّالِمِينَ) أي : الكافرين لقوله تعالى : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام ، ٤٥].
تنبيه : إنما قال تعالى : قل ، ولم يقل : قولوا ؛ لأنّ نوحا كان لهم نبيا وإماما فكان قوله قولا لهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوّة وإظهار كبرياء الربوبية ، وإن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي.
ولما أشار له بهذا القول إلى السلامة بالحمل أتبعه بالإشارة إلى الوعد بإسكان الأرض بقوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي) في الفلك ثم في الأرض ، وفي كل منزل تنزلني به وتورثني إياه (مُنْزَلاً مُبارَكاً) أي : يبارك له فيه ويعطيه الزيادة في خير الدارين ، وقرأ أبو بكر بفتح الميم وكسر الزاي أي : مكان النزول ، والباقون بضم الميم وفتح الزاي مصدر أو اسم مكان ، ثم إن الله تعالى أمره أن يشفع الدعاء بالثناء عليه المطابق لمسألته وهو قوله تعالى : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ما ذكر لأنك تكفي نزيلك كل ملم وتعطيه كل أمر.
ولما كانت هذه القصة من أغرب القصص حث على تدبرها بقوله تعالى :
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : الأمر العظيم من أمر نوح والسفينة وإهلاك الكفار (لَآياتٍ) أي : دلالات على قدرة الله تعالى وصدق الأنبياء في أن المؤمنين هم المفلحون وأنهم الوارثون للأرض بعد الظالمين ، وإن عظمت شوكتهم واشتدت صولتهم (وَإِنْ كُنَّا) بما لنا من العظمة والوصف الثابت الدال على تمام القدرة (لَمُبْتَلِينَ) أي : فاعلين فعل الخبير المختبر لعبادنا بإرسال الرسل ليظهر في عالم الشهادة الصالح منهم من غيره ، ثم نبتلي الصالحين منهم بما يزيد حسناتهم وينقص سيئاتهم ويعلي درجاتهم ، ثم نجعل لهم العاقبة كما قال تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف ، ١٢٨].
تنبيه : إن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واللام هي الفارقة.
القصة الثانية : قصة هود ، وقيل : صالح عليهماالسلام المذكورة في قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا) أي : أحدثنا وأحيينا (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد إهلاكهم (قَرْناً) أي : قوما (آخَرِينَ) هم عاد قوم هود ، وقيل : ثمود قوم صالح.
(فَأَرْسَلْنا) أي : فتعقب إنشاءنا لهم وتسبب عنه أنا أرسلنا (فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) هو هود،