وعن ابن مسعود أنهم أصهاره فهو بمعنى الأوّل وعلى هذا يكون معنى الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوّجونهنّ فيحصل لكم بسببهنّ الأختان والأصهار. وقال الحسن وعكرمة والضحاك : هم الخدم. وقال مجاهد : هم الأعوان وكل من أعانك فهو حفيدك. وقال عطاء : هم ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه. وقال الكلبي ومقاتل : البنون هم الصغار والحفدة كبار الأولاد الذين يعينون الرجل الذين ليسوا منه ، أي : أولاد المرأة من الزوج الأوّل. قال الرازي : والأولى دخول الكل فيه لأنّ اللفظ محتمل للكل بحسب المعنى المشترك. قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالحفدة البنون أنفسهم كأنه قيل : جعل لكم منهنّ أولادا هم بنون وهم حافدون ، أي : جامعون بين الأمرين انتهى. ومع هذا فالمشهور أنّ الحافد ولد الولد من الذكور والإناث.
فائدة : قال الأطباء وأهل الطبيعة : المني إذا انصب إلى الخصية اليمنى من الذكر ثم انصب منه إلى الجانب الأيمن من الرحم كان الولد ذكرا تاما في الذكورة ، وإذا انصب من الخصية اليسرى ثم انصب إلى الجانب الأيسر من الرحم كان الولد أنثى تاما في الأنوثة ، وإذا انصب إلى الخصية اليمنى وانصب منها إلى الجانب الأيسر من الرحم كان ذكرا في طبيعة الإناث ، وإذا انصب إلى الخصية اليسرى ثم انصب منها إلى الجانب الأيمن من الرحم كان هذا الولد أنثى في طبيعة الذكور. وحاصل كلامهم أنّ الذكور الغالب عليهم الحرارة واليبوسة والغالب على الإناث البرودة والرطوبة ، وهذه العلة ضعيفة فإنّ في النساء من مزاجها في غاية السخونة وفي الرجال من مزاجه في غاية البرودة فخالق الذكر والأنثى هو الإله القادر الحكيم.
ولما ذكر تعالى إنعامه على عبيده بالمنكوح وما بينه فيه من المنافع والمصالح ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطيبة فقال : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) سواء كانت من النبات وهي الثمار والحبوب والأشربة أو كانت من الحيوان والمراد بالطيب المستلذ أو الحلال ومن في من الطيبات للتبعيض لأنّ كل الطيبات في الجنة وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها واختلف في تفسير قوله تعالى : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) فقال ابن عباس : يعني بالأصنام. وقال مقاتل : يعني بالشيطان ، وقال عطاء : يصدّقون أنّ لي شريكا وصاحبة وولدا. (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) أي : بأن يضيفوها إلى غير الله تعالى ، ويتركون إضافتها إلى الله تعالى. وقيل : الباطل ما سوّل لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما ونعمة الله ما أحل لهم من هذه الطيبات وتحريم الخبائث.
فائدة : رسمت نعمت هنا بالتاء ووقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء والباقون بالتاء والكسائي يقرأ بالإمالة.
ولما شرح الله تعالى الدلائل على صحة التوحيد وأتبعها بذكر أقسام النعم العظيمة أتبعها بالرد على عبدة الأصنام فقال : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره (ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً) أي : تاركين عبادة من بيده جميع الأرزاق وهو ذو العلو المطلق الذي رزقهم من الطيبات ويعبدون غيره ، ثم بين تعالى جهة الرزق بقوله تعالى : (مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أمّا الرزق الذي يأتي من جانب السماء فالمطر ، وأمّا الذي من جانب الأرض فالنبات والثمار التي تخرج منها ، وقوله تعالى : (شَيْئاً) فيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه منصوب على المصدر ، أي : لا يملك لهم ملكا ، أي : شيئا من الملك. والثاني : أنه بدل من رزقا ، أي : لا يملك لهم شيئا. قال ابن عادل : وهذا غير مفيد إذ من المعلوم أنّ الرزق شيء من الأشياء ويؤيد ذلك أنّ البدل لا يأتي إلا لأحد معنيين البيان أو