قادر على أن يقوّي الأصوات والأسماع فيصير البعيد كالقريب.
فإن قيل : هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار أو من البعض للبعض؟ أجيب : بأن ظاهر الآية العموم ويحتمل أنّ كل واحد من أهل الجنة ينادي من كان يعرف من الكفار في دار الدنيا والله أعلم بحقيقة ذلك ، وقرأ الكسائي بكسر العين والباقون بالفتح وهما لغتان (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) أي : وهو إسرافيل صاحب الصور كما قاله ابن عباس ، وقيل : واحد من الملائكة وأصل الأذان في اللغة الإعلام والمعنى نادى مناد (بَيْنَهُمْ) أي : الفريقين أسمعهم (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) وقرأ البزيّ وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد أنّ ونصب التاء والباقون بتخفيف أن ورفع التاء.
ثم فسر الظالمين منهم بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : يمنعون الناس عن الدخول في دين الإسلام (وَيَبْغُونَها) أي : يطلبون السبيل (عِوَجاً) أي : معوجة ، قال ابن عباس : يصلون لغير الله ويعظمون ما لم يعظمه الله ، والعوج بكسر العين في الدين والأمر وكل ما لم يكن قائما وبالفتح في كل ما كان قائما كالحائط والرمح (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) أي : بكون الآخرة واقعة جاحدون منكرون لها.
(وَبَيْنَهُما) أي : أهل الجنة وأهل النار (حِجابٌ) لقوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) [الحديد ، ١٣] أو بين الجنة والنار ليمتنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى (وَعَلَى الْأَعْرافِ) وهو سور الجنة جمع عرف وهو المكان المرتفع ومنه عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من جسده ، وقال السدي : سمي ذلك السور أعرافا لأن أصحابه يعرفون الناس أي : أهل الجنة والنار (رِجالٌ) أي : طائفة من الموحدين استوت حسناتهم وسيآتهم كما في الحديث : «فقصرت بهم سيآتهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار فوقفوا هناك حتى يقضي الله تعالى فيهم ما يشاء ثم يدخلون الجنة بفضل الله تعالى ورحمته وهم آخر من يدخل الجنة» ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ قوله تعالى : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ثم قال : إن الميزان تخف بمثقال حبة أو ترجح قال : ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف ، وقيل : هم قوم خرجوا إلى الغزو بغير إذن آبائهم فقتلوا فأعتقوا من النار بقتلهم في سبيل الله وحبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم فهم آخر من يدخل الجنة ، وقيل : هم الذين ماتوا في الفترة ولم يبدلوا دينهم ، وقيل : هم أطفال المشركين (يَعْرِفُونَ) أي : أصحاب الأعراف (كُلًّا) من أهل الجنة والنار (بِسِيماهُمْ) أي : بعلاماتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين لرؤيتهم لهم إذ موضعهم عال (وَنادَوْا) أي : ونادى أصحاب الأعراف (أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إذا نظروا إليهم سلموا عليهم (لَمْ يَدْخُلُوها) أي : أصحاب الأعراف الجنة (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) في دخولها ، قال الحسن : لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها بهم.
وروى الحاكم عن حذيفة قال : بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال : قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم ، وقال مجاهد : أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء وعلى هذا إنما يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة وليرى غيرهم شرفهم وفضلهم.