والريح والطوفان كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الفيل (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) بالغرق أو الخسف كما فعل بفرعون وقارون ، وعن ابن عباس ومجاهد : عذابا من فوقكم : السلاطين الظلمة ، أو من تحت أرجلكم : العبيد السوء ، وقال الضحاك : من فوقكم أي : من قبل كباركم أو من تحت أرجلكم أي : من أسفل منكم (أَوْ يَلْبِسَكُمْ) أي : يخلطكم (شِيَعاً) أي : فرقا وينشب فيكم الأهوال المختلفة بقتل بعضكم بعضا.
روي لما نزلت هذه الآية : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) قال صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بوجهك» (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) قال : «أعوذ بوجهك» (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) أي : بالقتال ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هذا أهون أو أيسر» (١).
وفي رواية أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «سألت ربي طويلا أن لا يهلك أمّتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمّتي بالسنين فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» (٢).
وفي رواية أنه صلىاللهعليهوسلم سأل الله تعالى ثلاثا فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة «سأله أن لا يسلط على أمّته عدوّا من غيرهم يظهر عليهم فأعطاه ذلك وسأله أن لا يهلكهم بالسنين فأعطاه ذلك وسأله أن لا يجعل بأس بعضهم على بعض فمنعه ذلك» (٣)(انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ نُصَرِّفُ) أي : نبين لهم (الْآياتِ) الدالة على قدرتنا (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) أي : يعلمون أنّ ما هم عليه باطل فيرجعوا عنه.
(وَكَذَّبَ بِهِ) أي : القرآن أو العذاب (قَوْمُكَ) أي : الذين من حقهم أن يقوموا بجميع أمرك ويسرّوا بسيادتك فإنّ القبيلة إذا ساد أحدهم عزت به فإن عزه عزها وشرفه شرفها ولا سيما إذا كان من بيت الشرف ومعدن السيادة وإذا سفل أحدها اهتمت به غاية الاهتمام وسترت عيوبه مهما أمكنها فإنّ عاره لا حق لها فهو من عظيم التوبيخ لهم ودقيق التقريع لهم وزاد ذلك بقوله : (وَهُوَ) أي : والحال أنه (الْحَقُ) أي : الثابت الذي لا يضره التكذيب به ولا يمكن زواله (قُلْ) لهم (لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي : حفيظ وكل إلي أموركم فأجازيكم أو أمنعكم من التكذيب إنما أنا منذر والله الحفيظ (لِكُلِّ نَبَإٍ) أي : خبر أخبركم به من هذه الأخبار (مُسْتَقَرٌّ) أي : وقت يقع فيه ويستقرّ ومنه عذابكم (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) صحة ذلك عند وقوعه ، إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة وفي ذلك تهديد لهم.
(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) أي : القرآن بالاستهزاء والتكذيب (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي : فاتركهم ولا تجالسهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي : حتى يكون خوضهم في غير الآيات والاستهزاء بها ، وذكر الضمير على معنى الآيات لأنها القرآن والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد غيره ليكون أردع أو لغيره أي : وإذا رأيت أيها الإنسان (وَإِمَّا) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة (يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) أي : فقعدت معهم ثم تذكرت (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) أي : التذكير لهذا النهي (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أظهر موضع الإضمار تفهما ودلالة على الوصف الذي هو سبب الخوض.
__________________
(١) أخرجه البخاري في التفسير حديث ٤٦٢٨ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٠٦٥ ، وأحمد في المسند ٣ / ٣٠٩.
(٢) أخرجه مسلم في الفتن حديث ٢٨٩٠ ، والترمذي في الفتن حديث ٢١٧٥ ، والنسائي في قيام الليل حديث ١٦٣٨ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٣٩٥١.
(٣) انظر الحاشية السابقة.