بعدها ياء مشدّدة ، ووقف أبو عمرو على الياء والباقون على النون وسهل حمزة الهمزة وحققها الباقون وقوله تعالى : (مِنْ نَبِيٍ) تمييز لكأين لأنها مثل كم الخبرية وقوله تعالى : (قُتِلَ) قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو بضم القاف وكسر التاء ولا ألف بين القاف والتاء والباقون بفتح القاف والتاء وألف بين القاف والتاء وقوله تعالى : (مَعَهُ) خبر مبتدؤه (رِبِّيُّونَ) وهم جمع ربي وهو العالم المتقي منسوب إلى الرب ، وإنما كسرت راؤه تغييرا في النسب وقيل : لا تغيير فيه وهو منسوب إلى الربة وهي الجماعة للمبالغة وقوله تعالى : (كَثِيرٌ) صفة لربيون وإن كان بلفظ الإفراد لأنّ معناه جمع (فَما وَهَنُوا) أي : ضعفوا (لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) من الجراح وقتل أنبيائهم وأصحابهم (وَما ضَعُفُوا) عن الجهاد (وَمَا اسْتَكانُوا) أي : خضعوا لعدوّهم كما فعلتم حين قيل : قتل نبيكم (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) على الشدائد فيثيبهم ويعظم أجرهم.
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ) عند قتل نبيهم مع ثباتهم وصبرهم وكونهم ربانيين (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا) أي : تجاوزنا الحدّ وقولهم : (فِي أَمْرِنا) إيذان بأنّ ما أصابهم لسوء فعلهم وهضما لأنفسهم (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) أي : بالقوّة على الجهاد (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي : فهلا قلتم وفعلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم.
(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) أي : بالنصر والغنيمة والعز وحسن الذكر (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) أي : بالجنة والنعيم المقيم وخص ثوابها بالحسن إشعارا بفضله وأنه المعتدّ به عند الله (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أي : فيكثر لهم الثواب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : اليهود والنصارى فيما يأمرونكم به وقال علي : يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم ولو كان محمد نبيا لما قتل (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) أي : إلى الكفر (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) الدنيا والآخرة أمّا خسران الدنيا فلأنّ أشق الأشياء على العقلاء في الدنيا الانقياد إلى العدوّ وإظهار الحاجة إليه وأمّا خسران الآخرة ، فالحرمان عن الثواب المؤبد والوقوع في العقاب المخلد.
(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) أي : ناصركم وحافظكم على دينكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره.
(سَنُلْقِي) أي : سنقذف (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) أي : الخوف وذلك أنّ الكفار لما هزموا المسلمين في أحد أوقع الله الرعب في قلوبهم فتركوهم وفرّوا منهم من غير سبب ، حتى روي أنّ أبا سفيان صعد الجبل ونادى يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت ، فقال عليه الصلاة والسّلام : «إن شاء الله» وقيل : لما ذهبوا متوجهين إلى مكة ، فلما كانوا في بعض الطريق ندموا وقالوا : ما صنعنا شيئا قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ارجعوا حتى نستأصلهم بالكلية ، فلما عزموا على ذلك ألقى الله الرعب في قلوبهم. وقرأ ابن عامر والكسائي بضم العين والباقون بالسكون (بِما أَشْرَكُوا) أي : بسبب إشراكهم (بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي : حجة على عبادته وهو الأصنام وهذا كقوله (١) :
__________________
(١) صدره :
لا تفزع الأرنب أهوالها
والبيت من السريع ، وهو لابن أحمر في ديوانه ص ٦٧ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٢٩ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٢ ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ١٦٥ ، ٣٢١.