إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (١) ، فالآية مطلقة قيدتها السنة ، ويحتمل أن يفسر النكاح بالإصابة ، ويكون العقد مستفادا من لفظ الزوج ، والعسيلة مجاز عن قليل الجماع ، إذ يكفي قليل انتشار ، شبهت تلك اللذة بالعسل وصغرت ولحقتها الهاء ؛ لأن الغالب على العسل التأنيث قاله الجوهري.
وروي أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالت : إنّ زوجي قد مسني فقال لها النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كذبت في قولك الأوّل فلن أصدقك في الآخر» فلبثت حتى قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتت أبا بكر فقالت : يا خليفة رسول الله أرجع إلى زوجي الأوّل فإنّ زوجي الآخر مسني وطلقني فقال لها أبو بكر : قد شهدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أتيته ، وقال لك ما قال ، فلا ترجعي إليه ، فلما قبض أبو بكر أتت عمر ، وقالت له مثل ذلك فقال لها عمر : لئن رجعت إليه لأرجمنك» (٢).
والحكمة في التحلل الردع عن المسارعة إلى الطلاق ، والعود إلى المطلقة ثلاثا والرغبة فيها ، والنكاح بشرط التحليل فاسد عند الأكثر ، وجوّزه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه مع الكراهة ، وقد «لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم المحلل والمحلل له» (٣) رواه الترمذيّ والنسائيّ وصححه. وعن عمر رضي الله تعالى عنه : لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما.
تنبيه : شملت الآية الكريمة : ما إذا طلق الزوج زوجته الأمة ثلاثا ثم ملكها ، فإنه لا يحلّ له أن يطأها بملك اليمين ، حتى تنكح زوجا غيره (فَإِنْ طَلَّقَها) الزوج الثاني بعدما أصابها (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) أي : المرأة والزوج الأوّل (أَنْ يَتَراجَعا) إلى النكاح بعقد جديد بعد انقضاء العدّة (إِنْ ظَنَّا) أي : إن كان في ظنهما (أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) أي : ما حدّه الله وشرعه من حقوق الزوجية ، هذا هو الأصل ، وإلا فهو ليس بشرط للجواز ولم يقل إن علما أنهما يقيمان ؛ لأنّ اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله. قال في «الكشاف» ومن فسر الظنّ هنا بالعلم فقد وهم من طريق اللفظ والمعنى ؛ لأنك لا تقول : علمت أن يقوم زيد ، ولكن علمت أنه يقوم ؛ ولأنّ الإنسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظنّ ظنا (وَتِلْكَ) أي : الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : يتدبرون ما أمرهم الله تعالى به ويفهمونه ، ويعلمونه بمقتضى العلم.
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) أي : قاربن انقضاء عدّتهن ولم يرد انقضاء العدّة حقيقة ؛ لأنّ العدّة إذا انقضت لم يكن للزوج إمساكها فالبلوغ ههنا بلوغ مقاربة. وفي قوله تعالى بعد ذلك : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ) حقيقة انقضاء العدّة والبلوغ يتناول المعنيين ، يقال : بلغ المدينة إذا قرب منها وإذا دخلها (فَأَمْسِكُوهُنَ) بأن تراجعوهنّ (بِمَعْرُوفٍ) من غير ضرار ، وقيل : بأن يشهد على رجعتها وأن يراجعها بالقول لا بالوطء (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي : اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهنّ ، فيكنّ أملك بأنفسهنّ (وَلا تُمْسِكُوهُنَ) بالرجعة وقوله تعالى : (ضِراراً) مفعول له
__________________
(١) أخرجه البخاري في الشهادات حديث ٢٦٣٩ ، ومسلم في النكاح حديث ١٤٣٣ ، والترمذي في النكاح حديث ١١١٨ ، والنسائي في النكاح حديث ٣٢٨٣ ، وابن ماجه في النكاح حديث ١٩٣٢.
(٢) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ١ / ٢٨٣ ، وابن حجر في فتح الباري ٩ / ٤٦٨ ، والبغوي في شرح السنة ١ / ٢٣١.
(٣) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢٠٧٦ ، والترمذي في النكاح حديث ١١١٩ والنسائي في الطلاق حديث ٣٤١٦ ، وابن ماجه في النكاح حديث ١٩٣٤.