وفي حديث طويل أخرجه مسلم بإسناده إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام ، عن أبيه عن جابر ، يشرح حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى ينتهي إلى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة» قال : فقام سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : بل لأبد أبد (١).
قال العلّامة الأميني : ولم يكن نهي عمر عن المتعتين إلّا رأيا محضا واجتهادا مجردا تجاه النصّ ، أما متعة الحج فقد نهى عنها لما استهجنه من توجّه الناس إلى الحج ورءوسهم تقطر ماء. لكن الله سبحانه أبصر منه بالحال ، ونبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعلم ذلك حين شرّع إباحة متعة الحج حكما باتّا أبديّا (٢).
قال ابن قيّم : ومنهم من يعدّ النهي رأيا رآه عمر من عنده ، لكراهته أن يظلّ الحاجّ معرسين بنسائهم في ظلّ الأراك. قال أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد ، قال : بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشيّة عرفة ، فإذا هو برجل مرجّل شعره يفوح منه ريح الطيب ، فقال له عمر : أمحرم أنت؟ قال : نعم. فقال عمر : ما هيئتك بهيئة محرم ، إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر (٣). قال : إني قدمت متمتّعا وكان معي أهلي ، إنما أحرمت اليوم. فقال عمر ـ عند ذلك : لا تتمتّعوا في هذه الأيّام ، فإنّي لو رخّصت في المتعة لهم لعرّسوا بهنّ في الأراك ثم راحوا بهنّ حجاجا. قال ابن قيم : وهذا يبيّن أنّ هذا من عمر رأي
__________________
(١) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ٣٩ ـ ٤٣. وفي المحلّى لابن حزم (ج ٧ ، ص ١٠٨) : بل لأبد الأبد.
(٢) الغدير ، ج ٦ ، ص ٢١٣.
(٣) الذفر ـ بالتحريك ـ : يقع على الطيب والكريه ، ويفرق بينهما بما يضاف إليه ويوصف به. والمراد هنا الريح الكريهة.