والعلم مبدأ ، والعمل تمام. ولا يتم العلم من دون عمل ، ولا يخلص العمل دون العلم ؛ ولذلك لم يفرد تعالى أحدهما من الآخر في عامة القرآن ، نحو قوله :
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً)(١) ، (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ)(٢). (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(٣).
ولا يمكن تحصيل هذين (العلم والعمل) إلّا بعلوم لفظية ، وعقلية ، وموهبيّة :
فالأول : معرفة الألفاظ ، وهو علم اللغة.
والثاني : مناسبة بعض الألفاظ إلى بعض ، وهو علم الاشتقاق.
والثالث : معرفة أحكام ما يعرض الألفاظ من الأبنية والتصاريف والإعراب ، وهو النحو ..
والرابع : ما يتعلق بذات التنزيل ، وهو معرفة القراءات.
والخامس : ما يتعلق بالأسباب التي نزلت عندها الآيات ، وشرح الأقاصيص التي تنطوي عليها السور ، من ذكر الأنبياء عليهمالسلام والقرون الماضية ، وهو علم الآثار والأخبار.
والسادس : ذكر السنن المنقولة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعمّن شهد الوحي ، وما اتّفقوا عليه وما اختلفوا فيه ، مما هو بيان لمجمل ، أو تفسير لمبهم المنبأ عنه بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(٤) وبقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٥) ، وذلك علم السنن.
__________________
(١) التغابن / ٩.
(٢) غافر / ٤٠.
(٣) الرعد / ٢٩.
(٤) النحل / ٤٤.
(٥) الأنعام / ٩٠.