التابعين.
وثالثا : النظر والاجتهاد. كانت هي ميزة كبرى حظي بها عهد التابعين ، أن قام عديد من كبار العلماء ذاك العهد ، فاعملوا النظر في كثير من مسائل الدين ، ومنها مسائل قرآنية كانت تعود إلى : معاني الصفات ، وأسرار الخليقة ، وأحوال الأنبياء والرسل ، وما شاكل. فكانوا يعرضونها على شريعة العقل ، ويحاكونها وفق حكمه الرشيد ، وربما يؤوّلونها إلى ما يتوافق مع الفطرة السليمة.
وأوّل مدرسة أخذت في الاجتهاد وإعمال النظر لاستنباط معاني القرآن ، مدرسة مكة ، التي أشادها الصحابي الجليل تلميذ الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام الموفّق ، عبد الله بن عباس. وكان متخرّجو هذه المدرسة هم الذين أسّسوا بنيان الاجتهاد في التفسير ، وعلى يدهم شاعت وذاعت طريقة الاجتهاد في مناحي الشريعة المقدسة ، على الإطلاق.
ثم مدرسة الكوفة ، تأسّست على يد عبد الله بن مسعود ، وتخرّجت منها علماء أفذاذ ، أصحاب نظر واجتهاد. وأصبحت مدرسة الكوفة بعدئذ معهد الدراسات الإسلامية ، يقصدها روّاد العلم من جميع أطراف البلاد ؛ حيث محطّ جلّ الصحابة ، ولا سيّما بعد مهجر الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام. فقد ارتحل إليها العلم برمّته ، وأخذت مجامع الكوفة تحتضن الكبار من علماء الإسلام يومذاك ، وعليهم دارت رحى العلم وفاضت ينابيع المعارف إلى أرجاء البلاد.
ولم تدم مدرسة مكة طويلا ، وأخذت بالأفول بعد وفاة صاحبها ومؤسسها عام (٦٨) ، وتفرّق متخرجيها وانتشارهم في أكناف الأرض. فقد ارتحلوا إلى خراسان ومصر والشام وسائر الديار.
غير أن مدرسة الكوفة أخذت تزدهر وتزداد صيتا ونشاطا مع تقادم الأيام.
وهاتان المدرستان هما الأساس لنشر العلم وبثّ المعارف بين العباد ، وإن