الساحق من التابعين. بعد أن كان المأثور عن ابن عباس منقولا عن طريق
متخرّجي مدرسته التابعين أيضا. إنّ ذلك إن دلّ فإنما يدلّ على مبلغ الاهتمام
بتفاسيرهم ، والإجلال بمقامهم الرفيع. وليس إلّا لأنّهم أقرب عهدا بنزول الوحي ،
وأطول باعا في الإحاطة بأسباب النزول ، وأسهل تناولا لفهم معاني القرآن الكريم.
فإن كان القرآن قد نزل بلغة العرب وعلى أساليب كلامهم ، فإنّ الأوائل أصفى ذهنا
وأقرب تناوشا لتصاريف اللغة ومجاري ألفاظها وتعابيرها. إنّهم أعرف بمواضع اللغة في
عهد خلوصها ، وأطول يدا في البلوغ إلى مجانيها من ثمرات وأعواد.
كما أنّهم أمسّ
جانبا بأحاديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والعلماء من صحابته الأخيار. فهم أقرب فهما لأبعاد
الشريعة في أصولها والفروع ، والإحاطة بجوانب الكتاب والسنّة والسيرة الكريمة.
فكان الاهتمام
بشأنهم ، والرجوع إلى آرائهم ونظراتهم ، ومعرفة أقوالهم في التفسير ، إنما هو
لمكان تقدمهم وسبقهم في الحيازة على قصب السبق في هذا المضمار ، شأن كل متأخّر في
التفسير يرجع إلى آراء سلفه. لا ليتقلدها أو يتعبّد بها ، بل ليستعين بها ويستفيد
في سبيل الوصول إلى أقصاها ، والصعود على أعلاها. فكان تمحيصا وتحقيقا في الاختيار
، لا تقليدا ، أو تعبّدا برأي.
ولا شكّ أنّ
الإحاطة بآراء العلماء سلفا وخلفا ، لهي من أكبر وسائل التوسعة في الفكر والإجالة
في النظر ، وبالتالي أكثر توسعا في العلوم والمعارف والصعود على مدارج الفضيلة
والكمال. هكذا تقدّم العلم وازدهرت معارف الإنسان.
فلآراء السلف
قيمتها ووزنها في سبيل الرقي على مدارج الكمال. ولولاه لتوقّف العلم على نقطته
الأولى ، ولم يخط خطواته تلك الواسعة ، في مسيرته هذه الحثيثة ، نحو التكامل
والازدهار.