فنحن نعلم تأويل ما ذكر الله في القرآن من الوعد والوعيد ، وإن كنّا لا نعرف متى يقع هذا التأويل المذكور في قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ)(١).
وقد أشاد السيد محمد رشيد رضا (منشئ مجلة المنار المصرية) من هذه النظرة التيميّة بشأن تأويل القرآن ، وأعجبته غاية الإعجاب. قال ـ بعد أن نقل عن شيخه الأستاذ محمد عبده ، أن التأويل بمعنى ما يؤول إليه الشيء وينطبق عليه ، لا بمعنى ما يفسّر به (٢) ـ : ليس في كتب التفسير المتداولة ما يروي الغليل في هذه المسألة ، وما ذكرناه آنفا هو صفوة ما قالوه ، وخيرة كلام الأستاذ الإمام. وقد رأينا أن نرجع بعد كتابته إلى كلام في المتشابه والتأويل ، لشيخ الإسلام أحمد بن تيميّة ، فرجعنا إليه وقرأناه بإمعان ، فإذا هو منتهى التحقيق والعرفان ، والبيان الذي ليس وراءه بيان ، أثبت فيه أنه ليس في القرآن كلام لا يفهم معناه ، وأن المتشابه إضافي إذا اشتبه فيه الضعيف لا يشتبه فيه الراسخ ، وأن التأويل الذي لا يعلمه إلّا الله تعالى هو ما تؤول إليه تلك الآيات في الواقع ، ككيفية صفاته تعالى ، وكيفية عالم الغيب ، وكيفية قدرته تعالى وتعلقها بالإيجاد والإعدام ، وكيفية استوائه على
__________________
(١) راجع : رسالته في تفسير سورة الإخلاص ، ص ١٠٢ ـ ١٠٣. ونقله محمد رشيد رضا في تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ١٩٥ ـ ١٩٦.
(٢) يرى الأستاذ عبده من متشابهات القرآن ، الأمور الأخروية التي ورد ذكرها في القرآن ، لأنها من ضرورة الدين ومن مقاصد الوحي ؛ حيث العقيدة بأحوال الآخرة من أركان الدين ، فيجب الإيمان بها ، الأمر الذي لا يمكن الوقوف على حقيقتها إلّا بعد مشاهدتها في الآخرة ، فهي تأويلها ذلك اليوم ، كما قال تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ، يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ) الأعراف / ٥٣ (المنار ، ج ٣ ، ص ١٦٧)