المتأخّرة :
أوّلا : بساطته ، بما لم يتجاوز بضع كلمات في حلّ معضل أو رفع إبهام ، في بيان واف شاف ومع كمال الإيجاز والإيفاء. فإذ قد سئل أحدهم عن معنى (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ)(١) ، أجاب على الفور : «غير متعرّض لمعصية» ، من غير أن يتعرض لاشتقاق الكلمة ، أو يحتاج إلى بيان شاهد ودليل ، وما شاكل ذلك ، مما اعتاده المفسرون. وإذا سئل عن سبب نزول آية ، أو عن فحواها العام ، أجاب بشكل قاطع من غير ترديد ، وعلى بساطة من غير تعقيد ، كان قد ألفه المتأخرون.
ثانيا : سلامته عن جدل الاختلاف ، بعد وحدة المبنى والاتجاه والاستناد ، ذلك العهد ؛ إذ لم يكن بين الصحابة في العهد الأول اختلاف في مباني الاختيار ، ولا تباين في الاتجاه ، ولا تضارب في الاستناد ، وإنّما هي وحدة في النظر والاتجاه والهدف ، جمعت طوائف الصحابة على خطّ مستو مستقيم. فلم تكن ثمّة داعية لنشوء الاختلاف والتضارب في الآراء ، ولا سيما والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أدّبهم على التزام سبيل الرشاد.
على أن التفسير ذلك العهد لم يكن ليتعدّ ـ في شكله وهندامه ـ حدود الحديث وشكله ، بل كان جزء منه وفرعا من فروعه ، كما دأب عليه جامعو الأحاديث.
ثالثا : صيانته عن التفسير بالرأي ، بمعنى الاستبداد بالرأي غير المستند إلى ركن وثيق ، ذلك تعصّب أعمى أو تلبيس في الأمر ، كان يتحاشاه الأجلاء من الصحابة الأخيار. وسنشرح من معنى التفسير بالرأي الممنوع شرعا ، والمذموم عقلا ، بما يرفع الإبهام عن المراد به إن شاء الله.
__________________
(١) المائدة / ٣.