ومن طريف ما يذكر عنه ـ وهو حالّ ببغداد ـ : إن أبا جعفر المنصور كان جالسا ذات يوم ، وكان ذباب قد ألحّ عليه يقع على وجهه وألحّ في الوقوع مرارا حتى أضجره. فأرسل من يحضر مقاتل بن سليمان ، فلما دخل عليه قال له : هل تعلم لما ذا خلق الله الذّباب؟ قال : نعم ، ليذلّ الله به الجبّارين ، فسكت المنصور (١).
نعم كان الرجل صريحا في لهجته ، واسع العلم ، بعيد النظر ، شديدا في دينه ، صلبا في عقيدته. وفوق ذلك كان يميل مع مذهب أهل البيت ، ذلك المنهج الذي انتهجه أشياخه من قبل ، من المتأثّرين بمدرسة ابن عباس رضوان الله عليه ، الأمر الذي جعل من نفسه مرمى سهام الضعفاء القاصرين ، وكم له من نظير.
يدلك على استقامة الرجل في المذهب ، كما يدل على وثاقته واعتماد الأصحاب عليه أيضا ، ما رواه أبو جعفر الصدوق بإسناده الصحيح إلى الحسن بن محبوب ـ وهو من أصحاب الإجماع ـ عن مقاتل بن سليمان عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليهالسلام ـ يرفعه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : قال : أنا سيّد النبيين ووصيّي سيّد الوصيّين وأوصياؤه سادة الأوصياء ـ ثم جعل يذكر الأنبياء وأوصياءهم حتى انتهى إلى بردة ، من أوصياء عيسى بن مريم عليهماالسلام ـ قال : ودفعها (أي الوصاية) إلى بردة ، وأنا أدفعها إليك يا عليّ ـ إلى قوله ـ ولتكفرنّ بك الأمّة ، ولتختلفنّ عليك اختلافا شديدا ، الثابت عليك كالمقيم معي ، والشاذ عنك كالشاذ منّي ، والشاذّ منّى في النار ، والنار مثوى الكافرين (٢).
هذه الرواية إن دلّت فإنما تدلّ على كون الرجل من أخصّ الخواصّ لدى الإمام عليهالسلام. وقد عدّه الشيخ أبو جعفر الطوسي ، من أصحاب الباقر
__________________
(١) تاريخ بغداد ، ج ١٣ ، ص ١٦٠ ـ ١٦٩. وابن خلكان ، ج ٥ ، ص ٢٥٥ ، رقم ٧٣٣.
(٢) من لا يحضره الفقيه ، ج ٤ ، ص ١٢٩ ـ ١٣٠ ، باب ٢٧ / ١.