قال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(١) ، أي سهّلناه للاتّعاظ. وكرّرت هذه الآية أربع مرات في سورة واحدة! فلا يجوز أن ندّعي أنّ ما يسّره الله للتذكّر والاتعاظ ، معمّى لا يمكن فكّه ، وطلسم لا يستطاع حلّه.
نعم إنّ المفسّرين بعد القرنين الأوّلين تذرّعوا بالفنون الآليّة التي وضعوها لضبط قواعد اللّغة ، من : نحو وبيان وبديع ومعاني ، إلى زيادة التعمّق في تمحيص الآيات لهذا السبب ـ وأكثر هذا التعدّد آلي محض ـ ولكن المعاني لم تخرج قطّ عن دائرة الفهم ، فلم يدّع أحد أنّ القرآن لم يفهم في عصر من العصور ، ولا سيما الآيات المحكمات. وكيف يمكن أن يقال : إنّ محكمات القرآن لم تفهم على حقيقتها ، وقد انبنى عليها الدين كله عقائده وعباداته ومعاملاته؟!
فاللّجنة التي ستدّعي لترجمة القرآن ستنظر في المعاني التي قرّرها أئمة التفسير ، فإن آنسوا في بعضها ـ خلافا بينهم ـ عمدوا إلى اختيار ما رضيه جمهورهم ، مشيرين في الهامش إلى بقية الاحتمالات ؛ فتكون الترجمة قد استوعبت جميع الآراء.
هذا في آيات العقائد والعبادات والمعاملات. وأمّا الآيات الكونية والتاريخية والمتشابهات ، فإنّ اللجنة ستترجم معانيها على ما يحتمله اللّفظ العربيّ ، ولا تتعرّض لشرحها ، فمثل قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً ...) مثل هذه الآية تتولّاها لجنة التفسير فتعطي معناها الصحيح للجنة الترجمة لتترجمه ، دون أن تتعرّض ـ هذه الأخيرة ـ لما تشير إليه الألفاظ من الدلالات العلمية. ولكنها تجتهد في ترجمة كلمة «تثير» مثلا لتكون واجدة لجميع
__________________
(١) القمر / ١٧ ، ٢٢ ، ٣٢ ، ٤٠.