الجفاء والنفاق ، كما في قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ)(١) وغير ذلك مما وقع هذا التعبير في مواضع من سورة براءة (الآيات : ٩٠ / ٩٧ / ٩٨ / ٩٩ / ١٠١) حيث المقصود من الجميع : أعراب المدينة ومن حولها.
وجهة ثالثة : إيفاؤه بالوفرة الوفيرة من المطالب ومختلف المسائل ، في أقصر تعابير وأيسر كلمات ، ربما يكون حجم المطالب أضعاف حجم الكلمات والتعابير. والقرآن ملؤه ذلك ، وهو من اختصاصه ، أن يدلي بأوفر المعاني في أوجز الألفاظ.
هذه سورة الحجرات على قصرها ، وهي ثماني عشرة آية ، تحتوي على أكثر من عشرين مسألة من أمهات المسائل الإسلامية العريقة ، نزلت بالمدينة ؛ لتنظيم الحياة الاجتماعية العادلة. وقد تعرّض لها المفسرون ولا سيّما المتأخرين بتفصيل ، وتعرّضنا لأكثرها في تفسيرنا للسورة.
ومما جاء فيها التعرّض لقاعدة «اللطف» التي هي أساس الشرائع ، ومسألة «الحبّ في الله والبغض في الله» التي هي أساس الإيمان ، في أقصر عبارة : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ)(٢). فمن لطفه تعالى وعنايته بعباده أن مهّد لهم أسباب الطاعة وقرّبها إليهم ، ليتمكنوا من طاعة الله ويجتنبوا الفسوق والعصيان ، وذلك بأنّ زيّن الإيمان والطاعة في قلوبهم ، أي أبدى لهم زينة الإيمان ، بأن رفع عن أعينهم غشاء
__________________
(١) التوبة / ١٠١.
(٢) الحجرات / ٧.