الثالث : الخضوع والاستسلام ، قال الله تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [سورة الحجرات آية ١٤] وخضعنا مخافة السبي والقتل ، وهذه الآية خاصة في قوم من الأعراب ، وإن كان لفظها عاما فيهم ، إذ كان منهم من أخلص ، كما قال : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [سورة آل عمران آية ١٧٣]. وإنما قال لهم ذلك نفر ، وقيل : بل رجل واحد.
__________________
ـ منهم الزمخشري : طعمة بن أبيرق ، والحارث بن سويد بن الصامت ، ووحوح بن الأسلت ، وذكر عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ، وسمى منهم : أبا عامر الراهب ، والحارث ووجوها.
وقال النقاش : نزلت في طعمة بن أبيرق. ألفاظ الآية تعم كل من ذكر وغيرهم. وقيل : هي في عامة المشركين وقال مجاهد : حمل الآيات إلى الحارث رجل من قومه فقرأها عليه فقال له الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله لأصدق منك ، وإن الله تعالى لأصدق الثلاثة. قال فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه.
كيف : سؤال عن الأحوال ، وهي هنا للتعجيب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان ، أي : كيف يستحق الهداية من أتى بما ينافيها بعد التباسه بها ووضوحها؟ فاستبعد حصولها لهم مع شدّة الجرائم ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها»؟.
وقال الزمخشري : كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم؟ انتهى.
وهذه نزعة إعتزالية ، إذ ليس المعنى عنده : إن الله يخلق الهداية فيهم كما لا يخلق الضلال فيهم ، بل هما مخلوقان للعبد.
وقيل : الاستفهام هنا يراد به الجحد ، والمعنى : ليس يهدي ، ونظيره قول الشاعر :
فهذي سيوف ، يا صديّ بن مالك |
|
كثير ، ولكن : أين بالسيف ضارب؟ |
وقول الآخر :
كيف نومي على الفراش ولما |
|
يشمل الشام غارة شعواء؟ |
والهداية هنا هي إلى الإيمان واتباع الحق ، وأبعد من زعم أن المعنى : لا يهديهم إلى الجنة إلّا إن تجوّز ، فأطلق المسبب على السبب ، لأن دخول الجنة مسبب عن الإيمان ، فيعود إلى القول الأول. [البحر المحيط : ٣ / ٣١١].