أن يكون القضاء في هذه الآيات بمعنى الوحي ؛ فقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [سورة الإسراء آية : ٤] ، أي : أوحينا إلى أنبيائهم.
الثالث : الإتمام والفراغ ، قال الله : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) [سورة البقرة آية : ٢٠٠] ، أي : أتممتموها وفرغتم منها ؛ : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) [سورة البقرة آية : ٢٠٠] ، أي : لا تقطعوا ذكره لفراغكم من متعبداتكم ، وكانت العرب إذا أرادت الصدر عن الحج وقفت بين المسجد والجبل بمنى فذكرت محاسن آباءها ومناقبهم ، فأمر الله أن يذكروه ويثنوا عليه كذكرهم آباءهم ، ثم قال : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [سورة البقرة آية : ٢٠٠] ، وأراد بل أشد ذكرا ، لأن نعم الله عليهم أكثر من نعم غيرهم ، ووقوع أو موقع بل معروف ، ومنه قوله : (أَوْ يَزِيدُونَ) [سورة الصافات آية : ١٤٧] ، أي : بل يزيدون.
وقال بعضهم : أو يزيدون عندكم ، ومثله : (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ) [سورة النساء آية : ١٠٣] ، ونظيره : (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [سورة الأحقاف آية : ٢٩] ، أي : فلما فرغ النبي صلى الله عليه من قراءة القرآن.
الرابع : بمعنى الفعل ، قال الله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [سورة طه آية : ٧٢] ، أي : افعل ما أنت فاعل : (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) [سورة طه آية : ٧٢] ، والحياة نصب على الظرف ، ويجوز أن يكون القضاء هنا الحكم أي : احكم فينا بما أنت حاكم ، وقال : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) [سورة الأنفال آية : ٤٢].
الخامس : بمعنى الإرادة ، قال الله : (فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة غافر آية : ٦٨] ، أي : إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، أي : إذا أراد أمرا لم يتعذر عليه فعله ، وليس هناك قول ، وإنما هو عبارة عن إيجاده الفعل من غير تعذر إذا لم يحتمل الكلام على هذا المعنى فسد ؛ لأنه لا يجوز أن يخاطب المعدوم ، ولا يجوز أن تقول للموجود كن ؛ لأنه كان ، وإنما هو كقول الشاعر :
قال جناحاه ليسا فيها جفاء